أحلام سودانية من قلب القاهرة تترقب تنفيذ قانون اللجوء الجديد
– سهولة التسجيل والتدريب الأساسي والعمل المستقر.. الاهتمامات الرئيسية لطالبي اللجوء السودانيين
– طالبو اللجوء إلى الشروق: نأمل أن تتمكن اللجنة العليا الجديدة من التغلب على البيروقراطية التي تعيق عمل المفوضية العليا.
خبراء يعربون عن تفاؤلهم ويطالبون بإصدار أمر تنفيذي يضمن حقوق اللاجئين بشكل كامل ويحدد بعض معايير وأحكام القانون.
في أحد الأحياء الشعبية بوسط القاهرة، وقف السوداني عبد الرحمن على باب منزله المتهالك، يراقب أطفاله يلعبون في الحديقة على ضجيج الطفولة. وكان يتابع بين الحين والآخر أخبار المناقشات حول مشروع قانون جديد للجوء لتنظيم أوضاع اللاجئين في مصر، ويتبادل التفاصيل مع أقاربه وأصدقائه. وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول، علم عبر المواقع الإخبارية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي صدق عليها.
ويهدف القانون رقم 164 لسنة 2024 إلى تقنين أوضاع اللاجئين، ويضمن لهم منح الحقوق الأساسية مثل العمل والتعليم والرعاية الصحية، ونظام جديد لتلقي طلبات اللجوء والبت فيها من قبل لجنة عليا مرتبطة بمجتمع اللاجئين تقديم رئيس الوزراء بدلاً من المفوض السامي للأمم المتحدة.
وقد أعطى هذا القانون أملاً جديداً لتحسين ظروف عبد الرحمن وآلاف السودانيين الذين ما زالوا يطلبون اللجوء في مصر. ويشمل ذلك الوافدين الجدد وكذلك الذين لم تكتمل بعد إجراءات تقديمهم لدى الهيئة، حيث سيتم إرسال ملفاتهم مباشرة إلى اللجنة العليا التي لم يتم تشكيلها بعد وتنتظر اللوائح والقرارات التنفيذية لتنفيذ القانون. وتقوم هذه اللجنة بعد ذلك بفحص الطلبات وتقرر ما إذا كان ينبغي قبولهم كلاجئين أو ترحيلهم.
بالنسبة لعبد الرحمن، تبدو هذه التطورات حاسمة في رحلة طويلة مليئة بالتحديات. لكنه يقول: “هذا القانون خطوة كبيرة، لكن المهم الآن كيف سيتم تطبيقه؟”
تعليم الأطفال اللاجئين: التكاليف والعوائق
لم يكن عبور الأسر السودانية للحدود هرباً من جحيم الحرب الأهلية مجرد انتقال من جنوب وادي النيل إلى الشمال، بل بداية معركة أخرى من أجل التعليم والصحة والسلامة لأطفالهم في منطقة بالكامل. بيئة جديدة. مريم، طالبة لجوء سودانية تعيش في حي القاهرة القديمة، تعبر عن معاناتها وتقول: “منذ مجيئنا إلى مصر العام الماضي، لم يتمكن أطفالي من العودة إلى المدرسة، مقارنة بالوضع كما هو الحال في بلادنا”.
يروي محمد خلف، مدرس سوداني وطالب لجوء في مصر، كيف تم تدمير المدارس في السودان وتحويل بعضها إلى ملاجئ للطوارئ: “المدارس في بلادنا كانت مجانية، لكنها الآن في حالة خراب”. ما لا يقل عن 3000 إلى 10000 جنيه سنوياً، مما يجعل التعليم عبئاً ثقيلاً”.
ويؤكد تقرير المفوضية الصادر في أبريل 2024 أن 54% من الأطفال السودانيين اللاجئين في مصر ما زالوا خارج المدرسة. والسبب ليس فقط نقص الوثائق، بل أيضا الضغط الاقتصادي الذي يجبر الأسر على اختيار طفل أو طفلين فقط للتعليم بينما يبقى الآخرون في المنزل.
ويعطي القانون الجديد الأمل في تخفيف هذه المعاناة، حيث تنص المادة 20 على أن “للطفل اللاجئ الحق في التعليم الأساسي، ولللاجئين الحاصلين على شهادات أكاديمية حصلوا عليها في الخارج الحق في الاعتراف بها”.
وعلى الرغم من هذا النص الواعد، فإن التحدي لا يزال قائما، حيث أن تنفيذه سيتطلب بالتأكيد استثمارات كبيرة في البنية التحتية التعليمية، مثل زيادة عدد المدارس والفصول الدراسية، وخاصة في مناطق تجمع اللاجئين.
ومع ذلك، تظل مريم واثقة: “آمل أن يمنح القانون الجديد الفرصة لأطفالي لإكمال تعليمهم في بيئة مستقرة”.
هل ستتحقق أحلام اللاجئين بفرص عمل جيدة؟
في زاوية أحد الأسواق الشعبية بالقاهرة، وقف مصطفى، طالب اللجوء السوداني، بجوار شاحنة مليئة بصناديق الخضار، وهو ينقلها بمشقة إلى متجر صغير يعمل فيه منذ أشهر. يتحدث عن صراعه مع العمل غير الرسمي: “أحياناً أعمل يومين، ثم أقضي أسبوعاً بلا عمل. كل ما أريده هو وظيفة مستقرة تكفيني ولأطفالي”.
وفي الجانب الآخر من السوق، تواصل عائشة، وهي طالبة لجوء أخرى، إدارة كشك الطعام السوداني الخاص بها، وهو شريان حياتها الوحيد. وتقول إنها تواجه صعوبة في تأمين رعايتها قانونياً: “قد يساعدنا القانون الجديد، لكنني أخشى أن تشكل الإجراءات البيروقراطية عبئاً جديداً علينا”.
وتنطبق هذه الشروط على نحو 60% من اللاجئين السودانيين، بحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية. وأقرت بأنهم يعتمدون على وظائف غير رسمية ويواجهون ظروفا صعبة تتراوح بين الأجور المنخفضة ونقص التأمين.
تضمن المادة 18 من القانون الجديد للاجئين، مثل غيرهم من الأجانب الذين لا يحملون وثائق اللجوء، الحق في العمل، بما في ذلك الأجر العادل وممارسة المهن الحرة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أصحاب العمل الذين يوظفون طالبي اللجوء ملزمون بإبلاغ الشرطة بذلك.
وفي هذا السياق، يؤكد عبد الجليل نورين، مدير مبادرة تنمية اللاجئين في مصر، رؤيته المتفائلة بشأن القانون الجديد، لافتاً إلى أنه يمكن أن يكون “مظلة أمان” للاجئين وأنه سيدفع الكثير من المخالفين إلى القبول بأوضاعهم. وإضفاء الشرعية عليهم، وسيمهد الطريق لتحسين ظروفهم المعيشية من خلال العمل بشكل قانوني في السوق، مما سيعود بالنفع على الاقتصاد المصري.
وعلقت النائبة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي: “القانون قد يساعد في تقنين الوضع، لكننا لن نتمكن من تقييم تأثيره الحقيقي إلا بعد تطبيقه على أرض الواقع”.
تصاريح الإقامة: الطريق إلى حياة مستقرة
تبدأ رحلة اللاجئ بحثاً عن الاستقرار في مصر بخطوة أساسية: التسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. تعتبر هذه البطاقة الصغيرة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مفتاحاً ضرورياً يفتح الأبواب أمام الحماية القانونية والإقامة، وغالباً ما يكون الطريق للوصول إليها ليس سهلاً. وتعكس الطوابير الطويلة والانتظار لساعات أو أيام حجم التحدي الذي يواجهه اللاجئون.
وفي غرفة انتظار صغيرة بأحد مكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة، جلس معاذ متكئاً على حقيبته محاولاً التحكم في تنفسه بعد رحلة طويلة من الحي الشعبي الذي يعيش فيه. يقف أمامه صف طويل من الناس، لكل منهم قصته الخاصة من الروتين والانتظار. يقول معاذ، الذي قضى أكثر من ثلاثة أشهر في استكمال أوراق إقامته: “في كل مرة آتي إلى هنا، أشعر أن اليوم يمر وأنا لا أزال في مكاني”.
ويصف معاذ رحلته بأنها “معركة ضد الزمن والبيروقراطية”. وفي مرحلة ما طُلب منه تقديم ورقة تثبت إقامته، لكنه وجد صعوبة في إقناع المالك بالتوقيع على الوثيقة، خوفاً من أن يكون لتوقيعها عواقب قانونية على اللاجئ. وبصعوبة كبيرة تمكن معاذ من الحصول على الورقة اللازمة وعاد إلى الهيئة في اليوم التالي، لكن الموظف أبلغه أن المستندات التي قدمها تحتاج إلى تحديث، فاضطر للبدء من جديد.
وفي حي شعبي آخر، واجهت صفية، وهي طالبة لجوء سودانية وأم لطفلين، تعقيدات مماثلة عندما حاولت تسجيل أطفالها في المدرسة. ورغم إمكانية توثيق شهادة الميلاد في السفارة السودانية بالقاهرة، إلا أن العملية لم تكن سهلة. تقول صفية: “تستقبل السفارة حشوداً كبيرة يومياً، والانتظار لساعات أصبح جزءاً من حياتنا. وأيضًا، أحيانًا أحتاج إلى أخذ إجازة من العمل أو تنظيم نفقات إضافية عند عودتي.
والقصص المشابهة لقصة معاذ وصفية ليست استثناءً، ولكنها تعكس المعاناة اليومية لآلاف اللاجئين. وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استضافت مصر حوالي 834 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجل حتى نوفمبر 2024. لكن الأرقام الحكومية تشير إلى أن هناك أكثر من 9 ملايين لاجئ ومهاجر، من بينهم حوالي 1.2 مليون سوداني، فروا إلى مصر منذ اندلاع الصراع في السودان.
ويعكس هذا التناقض بين الأرقام والتقديرات المسجلة واقعا معقدا يعيش فيه مئات الآلاف من اللاجئين غير المسجلين على هامش النظام القانوني ويحرمون من بعض الحقوق الأساسية والخدمات الضرورية، بما في ذلك الصعوبات في الوصول إلى الوظائف الرسمية. تلخص صفية هذه المعاناة: “بدون الأوراق، نحن دائمًا في خطر. لا يمكننا إثبات وجودنا”.
ويوضح كريم عنارة، الباحث المتخصص في قضايا اللاجئين بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن أساس أي قانون لجوء هو ضمان الحماية القانونية للاجئين، وهو ما يعرف في القانون الدولي بـ “حظر الإعادة القسرية”، ويضمن عدم الإعادة القسرية. ولن يتم إعادة اللاجئ إلى بلد يواجه فيه خطراً حقيقياً. إلا أن ذلك يتطلب معايير واضحة وثابتة لتحديد من يستحق الحماية.
ويشير إنارة إلى أن القانون الجديد به عيوب في هذا الصدد: “الصياغة الحالية للقانون لا توفر ضمانات كافية، رغم وجود بعض المواد الواعدة، مثل تلك المتعلقة بالحق في التعليم الأساسي والرعاية الصحية”. هناك فجوات كبيرة في تحويل اللاجئين إلى أطراف فاعلة في المجتمع والاقتصاد”.
ويواصل: “هناك أيضًا أسئلة حول كيفية تطبيق المعايير والأطر التفصيلية التي تحكم عملية فنية مثل تحديد وضع اللاجئ، ومتى وكيف سيكون هؤلاء الأفراد مؤهلين لفهم هذه التعقيدات؟ خاصة وأن اللجنة العليا تتمتع بصلاحيات واسعة النطاق، مما يتطلب أن تكون اللائحة التنفيذية أكثر تحديدا ودقة.
دروس من تركيا وأوغندا.. ما يمكن أن تتعلمه مصر
ومع تولي مصر مسؤولية إدارة ملف اللاجئين بدلاً من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن تجارب دول مثل تركيا وأوغندا تثبت أنها نماذج تستحق الدراسة.
وفي تركيا، تم نقل مسؤولية تسجيل وإدارة اللاجئين إلى هيئة الهجرة التركية منذ عام 2018. وبحسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة، ساهم هذا التغيير في الدمج المباشر للاجئين السوريين في التعليم والصحة، مما سمح لهم بالوصول إلى المدارس العامة والمستشفيات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك قبول أكثر من 700 ألف طفل سوري في المدارس التركية وتوفير برامج تعلم اللغة التركية، ما سهّل اندماجهم.
وتشير دراسة للبنك الدولي أيضًا إلى أن هذا النهج ساعد في زيادة مشاركة اللاجئين في سوق العمل التركي تدريجيًا، على الرغم من التحديات التي تواجهها بعض المناطق، مثل ارتفاع معدلات البطالة.
وتقدم أوغندا، التي تستضيف حوالي 1.5 مليون لاجئ وهي واحدة من أكبر البلدان المضيفة في أفريقيا، نموذجا ممتازا للتعامل مع هذه المشكلة. ولديها سياسة تسمح للاجئين بشراء قطع صغيرة من الأراضي للزراعة، مما يمنحهم الفرصة لإنشاء مصدر مستدام للدخل وتقليل اعتمادهم على المساعدات الإنسانية. وساعد هذا النهج على تحسين اندماج اللاجئين في الاقتصاد المحلي وتحسين العلاقات بينهم وبين المجتمع المضيف.
وينتظر عبد الرحمن ومصطفى ومريم وغيرهم من طالبي اللجوء السودانيين، بالإضافة إلى عدد أكبر ممن لم يتقدموا بطلبات رسمية بعد، تطبيق قانون اللجوء الجديد بما يلبي طموحاتهم ويعوضهم عن الانتظار. مرات. وأعربوا عن أملهم في أن تكون الإجراءات التنفيذية فعالة وتأخذ في الاعتبار تعقيدات الواقع وتتجنب تجربة فترات الانتظار الطويلة، مع فتح فرص الاندماج في المجتمع المصري من خلال التعليم والعمل والرعاية الاجتماعية.