ما الذي يراهن عليه الحوثيون في حربهم مع إسرائيل؟
وبدون تناسب أو توازن في ميزان القوى بين إسرائيل والحوثيين، تستمر المواجهة غير العادلة وغير المقبولة، والتي تتوافق مع منطق التاريخ والسياسة وقوانين الحرب، ويبدو أنها ذات طبيعة سياسية وليست عسكرية فقط. . الانتحار.
كيف يبدو الحوثيون لإسرائيل؟ كيف يفهم الحوثيون إسرائيل وما هي الرؤية العالمية للصراع بين هذين الطرفين؟
وتمتلك إسرائيل كدولة أحد أقوى جيوش العالم عددا وعتادا وتجهيزا، وتتمتع بشكل خاص بدعم غربي وأوروبي وأميركي، في حين أن الحوثيين، كما يرى بعضهم، لا يدركون أنهم ليسوا أكثر من مجموعة أيديولوجية جهادية واحدة، لا تتجاوز قوتها عددا غير معروف من الصواريخ والطائرات المسيرة، وقد تم تدريب عدة آلاف من الجهاديين على استخدام هذه الصواريخ والطائرات المسيرة على يد خبراء من إيران وحزب الله اللبناني.
ومع انهيار وانهيار معظم فروع “محور المقاومة” المدعوم من إيران في كل من لبنان وسوريا وانسحابها من العراق، فضلا عن تراجع إيران نفسها، يحاول الحوثيون ملء الفراغ الناجم عن إصرارهم على مواصلة إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل وبعض الأهداف البحرية التي يزعمون أن لها علاقات مع إسرائيل.
وذلك على الرغم من أن معظم هجماتهم، إن لم يكن كلها، تفشل في تحقيق أهدافها، إما لأنها اعترضتها إسرائيل والقوات الأمريكية المتمركزة في المنطقة، أو لأنها لم تستهدف أهدافها المقصودة بدقة كما هو مطلوب.
في الأيام الأخيرة، تجاوزت المواجهة بين إسرائيل والحوثيين ما بدا وكأنه فعل ورد فعل وهجوم تلو الآخر، وحتى إلى حد الانفصال، خاصة بعد أن هاجمت إسرائيل المنشآت الرئيسية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مثل الموانئ والكهرباء. محطات توليد الكهرباء ومطار صنعاء الدولي.
وترى صحيفة معاريف الإسرائيلية، استنادا إلى مصادرها، أن إسرائيل ليس أمامها خيار سوى “فرض حصار بحري بالتعاون مع أجهزة المخابرات الدولية”، والتخطيط لمعركة حاسمة ثم التوجه نحو طهران. وهذا من الجانب الإسرائيلي.
ما هي رهانات الحوثيين؟
يعتمد الحوثيون، في مواجهتهم الحالية مع إسرائيل، على عنصرين بشكل خاص:
أولاً: البعد الجغرافي
تبلغ المسافة بين اليمن وإسرائيل 2000 كيلومتر مربع، لكن في نظر الخبراء العسكريين يبدو هذا رهانًا غير واقعي، خاصة وأن إسرائيل تمتلك قوة جوية، والأخطر من ذلك، أن لديها قاعدة عسكرية بالقرب من جزيرة دهلك الإريترية، عبر الحدود. من الساحل اليمني، تمتلك مرافق وقدرات تجسسية متقدمة لسنوات، إن لم يكن لعقود، مما يسمح لها بمراقبة قادة الحوثيين حتى تحت الأرض. والمتابعة. على غرار الهجمات التي تعرض لها معظم كبار قادة حزب الله اللبناني، حتى بعد ما يسمى بالتفجيرات “الأكبر”.
إن حقيقة عدم استهداف الحوثيين للقاعدة العسكرية الإسرائيلية في دهلك أمر غريب وليس له أي تفسير، باستثناء سبب واحد تقريباً: أن إيران تمتلك أيضاً منشآت عسكرية مماثلة منذ عشرين عاماً على الأقل، رغم أنها لا تملك قاعدة ولا قاعدة هناك. الجزيرة لديها قاعدة. الإستراتيجية في جنوب البحر الأحمر.
وخلال جولتين من الحرب الحدودية بين إريتريا وإثيوبيا بين عامي 1998 و2000، شهدت شخصيا أنواعا مختلفة من الألغام الانفرادية الإيرانية التي زرعها الإريتريون على طول الحدود مع إثيوبيا لمنع قواتها من التقدم هناك، مما يشير إلى تعاون عسكري قديم بين نقاط طهران وأسمرة.
ثانياً: التكاليف المادية
رهان الحوثيين الآخر يرتكز على أن التكلفة المالية التي ستتحملها إسرائيل في هذه المواجهة ستجبرها على التوقف، وهذا في حد ذاته وهم كبير. في نظر بعضهم، إسرائيل لا تفتقر إلى التمويل ولا الأسلحة. خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية خصصت عشرات المليارات من الدولارات لدعم المجهود الحربي لإسرائيل، ناهيك عن إرسال حاملات طائرات ضخمة لضمان أمن إسرائيل من هجمات محتملة في المنطقة.
ما هو الخيار الأخير للحوثيين؟
ويتضح من التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للحوثيين أن هذه المواجهة دخلت مرحلة اللاعودة، وأن المخططات الإسرائيلية في طريقها إلى التنفيذ بكامل قوتها، كما يرى البعض منهم.
مشكلة الحوثيين هي أنهم لم يتركوا لأنفسهم أي طريق للتراجع. فإما أن ينتصروا في هذه المعركة – وهو أمر مستحيل – وإما أن يلقوا نفس مصير حركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وهذا ليس مستبعدا، خاصة وأن جماعة الحوثيين لا تواجه فقط خطر استهدافها من قبل إسرائيل. والغرب، بل وأيضاً من قبل الدول المجاورة في اليمن وحتى في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
والسؤال الأهم هو: ماذا سيحدث بعد ذلك؟
يدور الآن الكثير من النقاش حول المرحلة المقبلة على نطاق واسع على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية وما إذا كان الحوثيون سيختفيون قريباً أم أنه لا يزال هناك طريقة أمامهم للتكيف مع ظروف المتغيرات القائمة بعد كل هذا. حدث في غزة ولبنان وسوريا ويجري معالجته في العراق.
ويرى السياسي اليمني عبد الله سلام الحكيمي أن “الحوثيين سيديرون شؤونهم بناء على تقييماتهم للمستقبل. وعندما يدركون أن ضمان بقائهم يتطلب الخضوع للأميركيين وحتى للإسرائيليين، فسوف يقومون بتغيير كامل في وجههم.
لكن الحكيمي يرى أن “أي عمل عسكري مباشر من الخارج أو أي دعم لقوى محلية مفككة مرتبطة بالسعودية والإمارات وغيرهما، بإسناد جوي وقصف بوارج بحرية ضد الحوثيين في صنعاء وشمال اليمن”. وهو يرى أن الأهداف المنشودة لن تتحقق، من بين أمور أخرى، لأن القوى المحلية المتنوعة في المناطق المفككة تعاني من التشرذم وتضارب الأجندات والمصالح وعشر سنوات من الحرب. وتدهور الوضع الحياتي والإنساني بشكل كارثي. إضافة إلى أن منطقة الهضبة الشمالية ومحورها صنعاء كانت تاريخياً ولعقود طويلة هي السلطة الحاكمة والحامية لها، وهي كتلة شعبية صلبة ومتمرسة في القتال ومسلحة على نطاق واسع.
وقال الكاتب اليمني حسن العديني في حديثه مع بي بي سي: “واشنطن لن تخوض حرباً مع إيران أو أسلحتها، بما في ذلك الحوثيين”. فمثلاً، إذا كانوا مهتمين بذلك، فما الضرر في الاستمرار في القيام بذلك فهل تفعل ذلك؟
لكن المحلل السياسي عبد الحفيظ النهاري يرى أنه يمكن تصور مرحلة ما بعد الحوثيين من خلال خارطة طريق دولية مقترحة في 2022 تركز على الحوار السياسي المؤدي إلى فترة انتقالية تشاركية لجميع الأطراف.
ويرى النهاري أن هذا الترويكا المؤقتة “يمكن أن تعمل على استعادة الانتعاش الاقتصادي، والقضاء على آثار الحرب، وتوحيد مؤسسات الدولة، وإعادة السلاح إلى سلطة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية المؤقتة، ووضع صيغة دستورية جديدة” هذا يتناسب مع المتغيرات التي ستؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد الفترة الانتقالية”.
لكن، بحسب النهاري، يبقى هذا الطرح مثاليا: “قد تتغير الرموز والفاعلون قبل الوصول إلى هذه المرحلة، إذ أن رؤية مرحلة ما بعد الحوثيين من دون الحوثيين لا تزال خارج وعي المجتمع الدولي”. التحالف الإقليمي والشرعية اليمنية”، يقول النهاري، الذي يعتقد أنه بعد هجماتهم الأخيرة على إسرائيل وفي أعالي البحار، رأى الحوثيون في عدد من العواصم الغربية “مشكلة عالمية” وكانوا يتعاملون معها. وتتطلب هذه المعضلة الآن جهداً وتنسيقاً دولياً، بما في ذلك تقاسم العبء المالي. ويواجه الجيش مهمة ضخمة كهذه، لكن لا أحد يتحدث عن حل بديل. بل إن كثيرين يتفقون على أنه “إذا انهارت ميليشيا الحوثي بشكل دراماتيكي، كما حدث في سوريا وجنوب لبنان، فإن الشرعية والوضع الدولي قد لا يكونان جاهزين للحكم المنضبط في البلاد”. الأمر في بلد كبير يضم أكثر من 35 مليون نسمة، وتبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع، ويطل على سواحل تتحكم في أهم الممرات المائية في العالم.