من مهندس لمضطرب عقلي.. ماذا عاش الفلسطيني فتحي عبدالعال في سجون إسرائيل؟
في الوقت الذي عاد فيه السجن الإسرائيلي سيء السمعة “سدي تيمان” إلى الأضواء الإعلامية من جديد، يُطلق سراح المهندس الفلسطيني فتحي عبد العال، الذي كان مفعماً بالحياة والذكاء والمضطرب عقلياً، من السجون الإسرائيلية بعد سبعة أشهر من السجن المتتالي.
وتبقى تفاصيل قصة عبد العال طي الكتمان بعد أن فقد توازنه العقلي وقدرته الواعية على التعبير عن تفاصيل المعاناة التي عاشها في سجون الاحتلال.
لكن آثار التعذيب الإسرائيلي على جسد عبد العال تحكي القليل عن قصته خلف القضبان التي فرض عليها الجيش تعتيما إعلاميا صارما.
ورغم مرور ستة أيام على إطلاق سراحه، إلا أنه لا يُعرف حتى الآن أين قضى عبد العال فترة اعتقاله، سواء كان في سجن سدي تيمان أو في مكان آخر. لكن بحسب منظمات حقوقية، فإن الفلسطينيين في كافة المعتقلات والسجون يواجهون المصير نفسه، مع التعذيب النفسي والجسدي، الذي يترافق أحيانًا مع العنف والتحرش الجنسي.
وعبد العال ليس أول أسير فلسطيني يخرج من سجون الاحتلال وهو يعاني من اضطراب عقلي واضح. بل تم توثيق عدة حالات، أبرزها المعتقل بدر دحلان الذي وصل إلى غزة بعيون كبيرة وعقل شارد وحالة صادمة.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن السجناء الفلسطينيين يواجهون ظروفا قاسية في سجن سدي تيمان، فيما تقدمت خمس منظمات حقوقية إسرائيلية، في مايو الماضي، بالتماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية من أجل الإغلاق الفوري لهذا السجن.
ولا تزال المحكمة العليا تنظر في الالتماس المقدم إليها، رغم إعلان الحكومة عن تخفيف أوضاع السجن، وهو ما لم تؤكده المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية.
وبحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد قُتل 36 أسيراً فلسطينياً في سدي تيمان منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
الاضطراب العقلي والتعذيب
يجلس عبد العال في خيمة صغيرة جنوب قطاع غزة، ويتمتم بكلمات غير مفهومة بعد أن انقلبت حياته رأسا على عقب بسبب التعذيب في سجون الاحتلال.
وبحسب عائلته، فإن عبد العال، خريج كلية الهندسة الكهربائية المتميز، الذي أحب الحياة وخطط لمستقبل واعد، تحول إلى شاب مضطرب نفسياً بعد سبعة أشهر قضاها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تعرض فيها لمختلف صنوف التعذيب.
وقال عمه “إياد” للأناضول، إنه فور إطلاق سراحه في 25 يوليو/تموز، ظهرت على جسده النحيل والهزيل علامات التعذيب.
وأضاف: “ظهرت ندوب وجروح على يديه ووجهه وقدميه، بالإضافة إلى كسر في الأنف وأضرار بالغة في ذراعيه بسبب الأغلال التي كان مقيداً بها”.
مصير مجهول
ويقول إياد، عم عبد العال، إنهم لم يعلموا شيئا عن مصير فتحي بعد اختطافه واعتقاله دون علم الأسرة.
وأضاف: “نحن سكان بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة. تم نقلنا إلى مدرسة الفاخورة في جباليا مع بداية الحرب وبقينا هناك لمدة تقدر بحوالي 40 يوماً، وتعرضت المدرسة للقصف الإسرائيلي أربع مرات.
وأضاف: “انتقلت الأسرة (الممتدة) إلى عيادة مخيم جباليا وبعد ثلاثة أيام انفصلت الأسرة حيث بقيت عائلة فتحي في الشمال وقررت أنا وعائلتي التوجه إلى الجنوب”.
بعد أيام من نزوح عائلة إياد عبد العال جنوبا، تلقت نبأ فقدان آثار فتحي شمال قطاع غزة. وعاشت الأسرة أجواء من الحزن والخوف والتوتر على حياة ابنهم ومصيره.
وتابع العم بصوت حزين: “جاءنا اتصال يفيد بأن فتحي استشهد في منطقة زيكيم أقصى شمال القطاع. كنا نظن أنها تابعة لفتحي ودُفنت هناك”.
وقال عمه “إياد” “لكن في الـ25 من الشهر الجاري، فوجئنا بالإفراج عن فتحي الذي تم نقله مباشرة إلى مجمع الناصر الطبي في مدينة خان يونس وهو في حالة نفسية وصحية صعبة للغاية”. وأضاف.
الهذيان المستمر
من جانبه يقول “براء” ابن عم المهندس فتحي: “عندما رأيناه لأول مرة بعد إطلاق سراحه لاحظنا أنه ليس في حالة ذهنية جيدة حيث كان يعاني من الهذيان المستمر وكان سلوكه مشابهًا لذلك”. من الأطفال الصغار”.
وأضاف للأناضول: “فتحي تعرض للتعذيب على يد جنود الاحتلال، ما أثر على صحته، حيث بدأ بالصراخ والتلفظ بأسماء مجهولة”.
وتابع: “فتحي الذي قاد المؤمنين بسبب وعيه الشديد ورصانته، لم يعد يتحدث بعقلانية، حيث أصبح يتصرف ويتحدث كطفل صغير منذ خروجه من السجن”.
ويعيش فتحي مع عائلة عمه إياد في جنوب قطاع غزة، بينما لا تزال عائلته تعيش في شمال القطاع.
وتحاول عائلة عمه الاعتناء به نفسيا وجسديا، لكنها تقول إن “حالته صعبة للغاية ويعاني من اضطراب نفسي خطير ويحتاج إلى رعاية طبية خاصة”.
وأطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال الأشهر الأخيرة، سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين من غزة في مجموعات متفرقة، يعاني معظمهم من تدهور حالته الصحية والعقلية.
منذ بدء عمليتها البرية في قطاع غزة في 27 تشرين الأول/أكتوبر، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي آلاف الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال وطواقم صحية ودفاع مدني، ثم أطلقت سراح عدد قليل منهم، فيما لا يزال مصير الآخرين مجهولاً. .
كشفت منظمات حقوقية ووسائل إعلام إسرائيلية، أن الأسرى الفلسطينيين من غزة تعرضوا للتعذيب والإهمال الطبي، ما أدى إلى وفاة العديد منهم في المعتقلات الإسرائيلية.
وتشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي حربا على قطاع غزة أسفرت عن سقوط أكثر من 130 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلا عن أكثر من 10 آلاف مفقود، وسط دمار ومجاعة واسعة النطاق. أودى بحياة العشرات من الأطفال.
تواصل تل أبيب الحرب، متجاهلة قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإنهائها فورًا وأمرت محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني في غزة.