ما الذي سيفعله ترامب في الشرق الأوسط؟
يمثل الشرق الأوسط منطقة مهمة وحيوية من العالم، ما هي السياسات التي سيتبعها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في هذه المنطقة عند عودته رئيسا للولايات المتحدة؟
يختلف ترامب عن معظم الرؤساء الأميركيين في التاريخ الحديث في طريقة عمله وتعامله مع فترة الشهرين والنصف الفاصلة بين انتخابه وتوليه الفعلي للسلطة ودخوله البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير.
لقد بدأ ترامب بالفعل بالتدخل في قضايا السياسة الخارجية منذ انتخابه في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر). وكان الشرق الأوسط في قلب اهتمامات ترامب.
ووعد ترامب خلال حملته الانتخابية بإنهاء الحروب التي اندلعت بعد ولايته الأولى. وعندما تم انتخابه رئيساً، أعلن في عبارته الشهيرة أن كل الجحيم سوف يندلع في الشرق الأوسط إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن ولم يتوقف إطلاق النار في غزة.
وكرر ترامب تصريحه أكثر من مرة، وذكر حماس بالاسم، لكنه لم يقتصر على ذلك، بل ذكر احتمال أن يشمل الجحيم الذي يهدد به أطرافا أخرى أيضا.
ولعب ذلك التهديد دوراً كبيراً في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي حاولت إدارة الرئيس جو بايدن التوصل إليه لكن جهوده باءت بالفشل طوال عام كامل تقريباً. لكن ترامب مارس ضغوطا أيضا على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اعترضت وحكومته في الماضي على صياغة الاتفاق وتفاصيله.
أرسل ترامب مبعوثه الخاص للشرق الأوسط، ستيف ووتكوف، للمشاركة في المفاوضات وعقد اجتماع حاسم وجهًا لوجه مع نتنياهو في الأيام التي سبقت الاتفاق.
مرحلة ما بعد الصفقة ستكون مهمة جداً وستعتمد بشكل كبير على توجهات إسرائيل ومواقف ترامب.
مع وقف إطلاق النار، ستواجه المنطقة تساؤلات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بطريقة حكم قطاع غزة، ومصير ومستقبل حماس وغيرها من الأسئلة، والتي ستؤدي بالطبع إلى الملف الأهم على مستوى توازن القوى الإقليمي وهو الملف الإيراني.
يتألف هذا الملف من قسمين رئيسيين: الأول هو برنامج إيران النووي، وهذا خط أحمر من غير المرجح أن يسمح ترامب لإيران بتجاوزه نحو السلاح النووي. وذكرت مصادر أميركية أن ترامب اتفق مع نتنياهو على خطة تدخل في حال حصول إيران فعلياً على سلاح نووي، تشمل: خيارات الخطة للتدخل العسكري الإسرائيلي وربما الأميركي.
أما الوجه الآخر لمشكلة إيران وسياسات ترامب تجاهها فهو نفوذ طهران الإقليمي. وقد عانى هذا النفوذ من انتكاسات خطيرة نتيجة للحرب التي خاضتها إسرائيل مع حزب الله، والآن سوف تكون الإطاحة بحكم بشار الأسد مصحوبة بسياسته المألوفة المتمثلة في فرض أقصى قدر من الضغوط على إيران، ولكن بنسخة جديدة أكثر صرامة. وهذا يعني أن العراق، بقواته المدعومة من إيران وحكومته المدعومة من الولايات المتحدة ولكن المتحالفة مع إيران، سيكون مسرحًا رئيسيًا لمراقبة مدى ضغط ترامب على إيران ومدى مقاومته.
كما أن اليمن مهم للغاية لأن ترامب سيرث نصف الحرب التي شنتها إدارة بايدن ضد الحوثيين دون تحقيق أهدافها المتمثلة في تهديدهم للشحن البحري بالقرب من مضيق باب المندب أو وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
وكان ترامب قد وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب في الأيام الأخيرة من ولايته الأخيرة كرئيس، لكن إدارة بايدن أزالتهم من القائمة لتعكس حقيقة سيطرة الحوثيين على جزء كبير من اليمن، حيث يتجه ترامب. وتدعم هذه القائمة وربما تغير استراتيجية الهجمات العسكرية ضدهم إلى أسلوب أكثر فعالية.
وسيسعى ترامب إلى ترسيخ تراجع إيران في لبنان، حيث تم انتخاب رئيس جديد، جوزيف عون، والاتفاق على رئيس وزراء جديد، نواف سلام، وهو ما لم يكن الخيار المفضل لحزب الله.
أما في سوريا فقد تغير الوضع تماماً قبل وصول ترامب. تسعى الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع إلى علاقات جيدة مع الجميع، ومن المؤكد أن تركيا تلعب دوراً مهماً، وهو ما تحدث عنه ترامب بطريقة مفتوحة للتأويل، لكنه يؤكد أنه يسير نحو التفاهم معه.
وفي رئاسته الأولى، سعى ترامب إلى الانسحاب من شرق سوريا مقابل صفقة من شأنها توسيع نفوذ تركيا على حساب قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والمدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر على مناطق شرق الفرات.
وسيكون هذا الملف متاحاً أيضاً لترامب، لا سيما أن الوجود العسكري في سوريا مرتبط بالوجود العسكري الأميركي في العراق المجاور ويعود إلى زمن الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يعتقد ترامب أنه لديه ويريد هزيمة قلب المد.
وقد لا يلجأ ترامب إلى التخلي عن حلفائه الأكراد السوريين، لكنه سيتخذ على الأرجح قرارات بشأن الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا وعلاقتهما بإيران، الخصم، وتركيا، الحليف.
ومن المتوقع أن تعزز علاقات أمريكا مع حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط مثل المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وقطر والكويت والبحرين وعمان والأردن. ومن المعروف أن ترامب يركز على المصالح المباشرة لأمريكا. وخاصة المصالح الأمنية والاقتصادية، دون التركيز على ملفات مثل ملفات بعض الحلفاء في مجال حقوق الإنسان.
أما السودان، ففي أيامه الأخيرة، عاقبت إدارة بايدن قطبي الصراع هناك، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وخصمه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويتهمونهم بالمسؤولية عن الحرب والانتهاكات ضد السكان المدنيين.
لا يشكل السودان عادة محور اهتمام أميركي، لكن حجم المأساة التي خلفتها الحرب الأهلية وكون السودان طرفا في اتفاقيات التطبيع التي توصلت إليها إدارة ترامب السابقة يجعلانه قضية مهمة بالنسبة لترامب الذي يقدره. هذه الاتفاقيات وهي الآن واعدة بتوسيع نطاقها.
بالنسبة للسعودية، بثقلها الاقتصادي والسياسي والديني، فإن توسيع اتفاقيات التطبيع يمثل إنجازا دبلوماسيا ضخما لترامب، لكن السعودية تتقدم في المقابل بمطالب كبيرة، تشمل تطوير برنامج نووي وعلى الأرجح ستضم أيضا توفير الضمانات لإقامة الدولة الفلسطينية.
وسيظل الجانب الاقتصادي بالطبع حاضراً بقوة في سياسة ترامب في الشرق الأوسط، ولا سيما في علاقاته مع دول الخليج. وإذا كانت استراتيجية إدارة بايدن تقوم على إدارة المنافسة مع الصين، فسيحاول ترامب تحقيق تقدم كبير على حساب بكين. وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.