لحنه محمد فوزي ويحمل وعيدا لفرنسا.. قصة النشيد الوطني الجزائري بعد عزفه في الأولمبياد
ترددت أصوات النشيد الوطني الجزائري في قلب العاصمة الفرنسية باريس بعد فوز لاعبة الجمباز كيليا نمور بالميدالية الذهبية في مسابقة المتوازيين في أولمبياد باريس 2024.
المشهد الذي عزف فيه النشيد الوطني للدولة المتوجة بالذهب لم يمر كتقليد بروتوكولي متكرر؛ يمثل ظهوره على أرض مالكه القديم مشهدًا غير عادي.
*يا فرنسا انتهى زمن الاتهامات
والنشيد الوطني الجزائري هو الوحيد الذي يذكر في كلماته بلدا آخر، إذ تحتوي إحدى أبياته على العبارات التالية: “يا فرنسا، انتهى زمن العتاب.. وطويناه كما يطوي الكتاب. “يا فرنسا هذا يوم الحساب… فجهزي نفسك وخذي منا الجواب… في ثورتنا… انتهى الخطاب… وعقدنا العزم على أن تحيا الجزائر… لذلك.” أنف. .. فشهد … فشهد.”
لطالما أثار النشيد الوطني الجزائري “قسم” الجدل منذ أن كتبه الشاعر مفدي زكريا في 25 أبريل 1955. واعترض الوفد الفرنسي المفاوض في مفاوضاته مع الحكومة الجزائرية المؤقتة عام 1962 على الكلام وطالب بحذف قسم اعتبره مسيئا لفرنسا، إلا أن طلبه قوبل بالرفض، بحسب تقرير نشرته صحيفة “إندبندنت”.
* ألحان محمد فوزي يوثق مسار النضال الجزائري
وعن أصول النشيد الوطني للجزائر، يقول الوزير الجزائري الأسبق لامين بشيشي في كتابه “تاريخ ملحمة نشيد القسمة” إن من كلف بتأليف النشيد هو الشهيد عبان رمضان. وكان هو الذي حرص على إيجاد لحن لها يتوافق مع طبيعته الثورية.
وتابع: “وضع رمضان ثلاثة معايير لكتابة النشيد الوطني: ضرورة الدعوة للانضمام إلى الثورة تحت راية جبهة التحرير الوطني، ثم عدم ذكر أحد في القصيدة، وأخيرا إبراز الوجه القبيح لفرنسا المستعمرة”. أبياته الشعرية .
وكلف أبان رمضان الشاعر مفدي زكريا بإيجاد ملحن للنشيد الوطني ليترجمه إلى شكله اللحني. قام بالتلحين في البداية محمد الطوري، ثم أسندت المهمة إلى الملحن التونسي محمد التريكي. الذي أهدى النص في النهاية إلى الملحن محمد فوزي، حيث تم إرسال نص النشيد في شكل. سافر إلى مصر، وبعد أن انتهى فوزي من كتابة الأغنية، أعادها ليوافق قادة الثورة الجزائرية على اللحن.
*كيف كرمت الجزائر محمد فوزي؟
حصل محمد فوزي على مرتبة الشرف العالية عن دوره. وأمر الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، في نوفمبر 2017، بتسمية المعهد الوطني العالي للموسيقى في الجزائر باسم محمد فوزي، كما منحه “وسام الاستحقاق الوطني”.
* القسم.. الولاء الجزائري والغضب الفرنسي المتكرر
وفي يونيو/حزيران 2023، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مرسوما يقضي بأداء النشيد الوطني كاملا بآياته الخمس، بما في ذلك بيت به كلمات تشكل تهديدا لفرنسا، وسبق أن أثارت هذه الآية غضب باريس.
وكان هذا المقطع يُغنى تارة، وتارة تكتفي السلطات الجزائرية بإظهار جزء فقط من النشيد من أجل تقصيره، لكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وقع على المرسوم الذي ينص على أداء النشيد كاملا بأقسامه الخمسة.
وأوضح وزير الخارجية الفرنسي أن إعادة إدخال الجزء الذي يهاجم فرنسا في النشيد الوطني الجزائري هو “قرار يتعارض إلى حد ما مع مجرى التاريخ”، مشيرا إلى أن “النص كتب في سياق عام 1956، وهو يتعلق بـ الحرب ضد الاستعمار.” للتعبير عن كل ما له علاقة بالحرب. وهذا أدى إلى ظهور كلمات تخصنا”.
ورد عليها وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف بلهجة ساخرة في حوار أجرته معه وكالة “نوفا” الإيطالية نشر أمس: “ربما كان بإمكانها أيضا أن تنتقد موسيقى النشيد الوطني الذي ربما لا تناسبها الموسيقى أيضا. “
*مشاهد من مسيرة الاستقلال
يتحدث الكاتب الكبير حمدي قنديل في مذكراته عن ذكرياته مع الجزائر في يوم من أهم الأيام في تاريخ الجمهورية الجزائرية، يوم دخول القائد بن بلة ورفاقه العاصمة بعد التوقيع الرسمي على اتفاق قنديل كان مع نخبة صحفيي التليفزيون المصري المتجمعين لتغطية الحدث الكبير. وساند الرئيس عبد الناصر بن بلة وحركته. وبعد إطلاق سراح بن بلة من السجن الفرنسي، استقبله عبد الناصر في مطار ألماظة العسكري، وسافر الزعيمان في سيارة مكشوفة عبر شوارع القاهرة من مصر الجديدة إلى وسط البلاد ثم العودة إلى قصر القبة، وسط حشود من الناس، في مظاهرة وصفتها وسائل الإعلام حينها. هذه واحدة من أكبر المظاهرات في التاريخ في جميع أنحاء العالم! تصوير اللحظة التاريخية لدخول بن بلة وموكبه إلى العاصمة الجزائرية كان شاقا للغاية، لكنه جاء بموقف كوميدي. ولم يتمكن طاقم التلفزيون من الحصول على سيارة لنقله إلى العاصمة، فلم يكن أمام الفريق سوى استقلال شاحنة محملة بالبطيخ لنقل معدات التصوير الثقيلة، واستغرقت الرحلة 9 ساعات. مسافة 500 كيلومتر، ويصف قنديل الرحبة بأنها ممتعة للغاية، خاصة في الليل حيث يهب نسيم الريح المنعش في وجوههم.
ومع اقترابنا من العاصمة، وقبل شروق الشمس، خرجت العاصمة بأكملها لتستقبل بن بلة، ودوت أبواق السيارات نغمة ثابتة: “بن بلة، بن بلة”.
وتمكن طاقم التلفزيون من تصوير الموكب والعرض العسكري الذي أعقبه، وبقي قنديل في العاصمة يومين ليجوب العاصمة بكاميرته ويبث المشاهد للمصريين الملتزمين بنضال الشعب الجزائري ودعمه. قضيتهم! ويصف قنديل مهمة الجزائر بأنها من أهم إسهامات الصحافة التليفزيونية في مصر، وإن لم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه من مؤرخي التلفزيون!