الحروب التجارية صدمة جديدة للاقتصاد العالمي وترقب تداعياتها على التضخم المحلي
بدير: أتوقع تزايد الضغوط على الجنيه المصري متولي: الرسوم الجمركية تطيل أمد مكافحة التضخم في مصر وتهدد هروب الأموال الساخنة الحماقي: مصر لا تعرف كيف تستغل هذه الأزمات لأن إنتاجها الصناعي غير ناضج
يتفاعل الاقتصاد العالمي بحساسية مع قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لقد نفذ تهديداته بفرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية من مختلف البلدان حول العالم. ويثير ذلك مخاوف من اندلاع حروب تجارية، مما سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، وخاصة على الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر. ويخشى العديد من الخبراء من أن تؤدي هذه الحروب إلى موجة من التضخم في وقت لا يزال فيه الاتجاه النزولي للتضخم على الأرض غير مضمون.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أوامر تنفيذية تفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على كندا والمكسيك و10% على الواردات من الصين. ثم عاد في منتصف الأسبوع وقرر تأجيل فرض الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا لمدة شهر.
وتهدد الرسوم الجمركية بإشعال فتيل حرب تجارية عالمية مع تهديد الدول بخرق الرسوم الجمركية وفرض رسوم جمركية مماثلة. أعلنت الصين أنها ستفرض رسوما جمركية بنسبة 15 بالمئة على وارداتها من الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، في حين تعتزم وزارة التجارة الصينية الطعن على الرسوم الجمركية الأميركية أمام منظمة التجارة العالمية، قائلة إنها تنتهك قواعد المنظمة بشكل خطير.
وأعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أيضا عن خطط لفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على سلع أميركية بقيمة 155 مليار دولار، وأصدرت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم تعليمات لوزير اقتصادها بالرد بفرض رسوم جمركية انتقامية على الولايات المتحدة واتخاذ تدابير أخرى لحماية المصالح المكسيكية.
في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من الحروب التجارية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي، يتابع العالم باهتمام كبير الاقتصاد المصري، باعتباره أحد أكثر الاقتصادات تضررا من الصدمات العالمية الأخيرة. وانزلقت البلاد إلى موجة غير مسبوقة من التضخم، وخسر الجنيه أكثر من 60 في المائة من قيمته.
قالت منى بدير، كبيرة الاقتصاديين في البحوث بأحد البنوك الخاصة، إن تأثير الحروب الاقتصادية على مصر يظل معقدا، إذ إنها قد تؤدي إلى تباطؤ النمو العالمي وانخفاض أسعار السلع الأساسية، وهو ما من شأنه أن يقلل الضغوط التضخمية محليا.
وأضافت “من ناحية أخرى، فإن تشديد الظروف النقدية العالمية قد يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار وزيادة الضغوط على الجنيه المصري، مما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع التضخم”، مشيرة إلى أن ضعف ثقة المستثمرين العالميين قد يؤدي إلى تفاقم الظروف المالية ويؤدي إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج.
انخفض معدل التضخم على مستوى الجمهورية بأكملها في ديسمبر/كانون الأول وبلغ 23.4 بالمئة، مقارنة بـ25 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام السابق.
وأدت السياسة النقدية المتشددة التي انتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في 2022 عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية إلى انسحاب 90% من الاستثمارات الأجنبية من سندات الدين في مصر، بما يعادل 22 مليار دولار، قبل أن تبدأ في العودة مع رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس في مارس/آذار الماضي وتحرير سعر الصرف.
من جانبه، توقع الخبير الاقتصادي علي متولي أن يكون للرسوم الجمركية الأميركية تأثير كبير على تدفقات التجارة العالمية، وأن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 0.4% على المدى الطويل. وللتأثير على تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، استند في توقعاته إلى أحداث الحرب التجارية بين الصين وأميركا في عامي 2018 و2019، والتي أدت إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 0.1% وحجم التجارة العالمية بنسبة ثلاثة%.
وأوضح متولي أن رد الصين والمكسيك وكندا على هذه الاتهامات بما يسمى بالرسوم الجمركية الانتقامية من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع حروب تجارية. ومن شأن هذه التطورات أن تؤثر على استقرار الاقتصاد العالمي، وخاصة في البلدان النامية، التي من المرجح أن تعاني من التوقف المفاجئ في تدفقات رأس المال. وأشار إلى أن الأسواق الناشئة خسرت 130 مليار دولار خلال الحرب التجارية بسبب هروب المستثمرين. وبالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك تقلبات في أسعار السلع العالمية التي تستوردها هذه البلدان.
وعن التأثير المتوقع للحروب التجارية على الاقتصاد المحلي، أوضح أن مصر، كغيرها من الدول الناشئة والنامية، قد تعاني من هروب رؤوس الأموال في هذه الحروب، وهو ما سيؤدي إلى توسع أهداف التضخم بسبب ارتفاع الأسعار المصاحب للعديد من السلع العالمية.
وأضاف متولي أن هذه الرسوم من شأنها خلق فرص إيجابية للاقتصاد المصري من خلال تعزيز الصادرات المصرية كبديل للسوق الأمريكية للمنتجات الخاضعة للرسوم الجمركية. ولكنه أكد أن ذلك يعتمد على قدرة الصادرات المصرية على إثبات قدرتها التنافسية في السوق الأميركية مقارنة بالمنتجات الأخرى. وأشار إلى أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى إجراءات انتقامية من الدول الأخرى من شأنها أن تحد من وصول الصادرات المصرية إلى أسواقها، مما يؤدي إلى تراجع الصادرات.
وقال يمان الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، إن الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة وخلال فترة مثل هذه الأزمات لم تستغلها بشكل جيد، لأن إنتاجها الصناعي وصادراتها غير متطورة بشكل كافي لتوفير بديل للمنتجات الخاضعة للرسوم الجمركية.
وأضاف الحماقي أن على الحكومة الآن تشكيل لجنة مشتركة من جميع الوزارات. الهدف من الندوة هو مناقشة تأثير الرسوم الجمركية وكيفية تجنب تأثيرها السلبي على الاقتصاد المصري، وخاصة فيما يتعلق بتأثيرها المحتمل على التضخم المحلي. كما سيتم العمل على الاستفادة من الجوانب الإيجابية الناتجة عن ذلك، ومنها تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في السوق المصري وتطوير الصناعات المختلفة وتصديرها إلى أمريكا برسوم جمركية مخفضة.
وقال هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار، إن هناك مخاوف من ارتفاع التضخم العالمي مجددا بعد فرض ترامب رسوما جمركية على الواردات الأميركية، وسط توقعات بأن ترد كندا والمكسيك والصين على الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب. وسوف يؤدي ذلك إلى إضعاف قدرة الشركات على تجنب المواد الخام الموجودة في الأسواق بأسعار عادية وبالتالي خفض كفاءة تشغيل المصانع وإضعاف معدلات إنتاجها وزيادة أسعارها.
وأشار إبراهيم إلى أن هذه القيود دفعت مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى تأجيل خفض أسعار الفائدة في عام 2025 خوفاً من ارتفاع التضخم مجدداً. ومن شأن هذا أن يفرض ضغوطاً على الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر، لزيادة تكاليف التمويل بشكل أكبر.
قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تثبيت سعر الفائدة الرئيسي عند مستوى مستقر بين 4.25% و4.50% في أول اجتماع له في عام 2025 – بعد ثلاث تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2024.