مناورة أم تراجع.. ماذا يعني تضارب تصريحات ترامب وإدارته حول تهجير سكان غزة؟
![مناورة أم تراجع.. ماذا يعني تضارب تصريحات ترامب وإدارته حول تهجير سكان غزة؟](https://www.egy-press.com/uploads/images/202502/image_870x_67a56743e01b6.webp)
بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رغبته في نقل سكان قطاع غزة وتحويل القطاع الفلسطيني إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، واجهت الدول العربية والغربية انتقادات شديدة وعداءً. وتراجع ممثلو حكومته بعد ذلك عن بعض عناصر الاقتراح، مؤكدين أن نقل الفلسطينيين سيكون مؤقتا فقط وأنه لا يوجد التزام بنشر قوات أميركية لتطهير المنطقة.
واقترح ترامب أن “تسيطر” الولايات المتحدة على قطاع غزة، وتنقل الفلسطينيين وتطردهم بينما يتم إعادة إعماره. وفي كلمة ألقاها في البيت الأبيض يوم الثلاثاء 4 فبراير/شباط، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد الرئيس الأميركي أنه يريد خلق شيء “رائع” بعد تدمير قطاع غزة الممزق بالحرب إلى حد كبير في الصراع بين إسرائيل وحماس.
الانسحاب في البيت الأبيض
وفي حين حاول ترامب تصوير اقتراحه باعتباره خطة استراتيجية، إلا أن الفكرة أعيد تعريفها لاحقا في تصريحات البيت الأبيض. بعد أقل من يوم من أعمال الشغب، بدأ البيت الأبيض في التراجع عن بعض “خطط السيطرة” التي وضعها الرئيس. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت خلال مؤتمر صحفي يوم الأربعاء إن ترامب يتوقع فقط من حلفائه في المنطقة مثل مصر والأردن “استضافة 2.1 مليون من سكان غزة مؤقتًا حتى نتمكن من إعادة بناء منازلهم”.
وأضاف ليفيت أن ترامب كان يدعو إلى نقل “مؤقت” للفلسطينيين – وهو تصريح يتناقض مع خطة ترامب، التي دعت إلى “نقل دائم” للسكان إلى منطقة أخرى. وأوضح أنه كان يدرس الخطة منذ فترة، لكنها لم تكتب إلا قبل المؤتمر الصحفي مع نتنياهو.
وأكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أيضا هذا التطور، قائلا إن فكرة ترامب تتضمن مرحلة “مؤقتة” لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة بينما تعمل الولايات المتحدة على إزالة الأنقاض وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية. وأضاف: “الفكرة لم تكن عدائية والولايات المتحدة تريد فقط استقرار المنطقة مؤقتا”.
مقترحات متطرفة أم تكتيكات تفاوضية؟
وتعتقد إيرينا تسوكرمان، المحللة الجيوسياسية والمحامية المتخصصة في الأمن القومي الأميركي، أن التصريحات المتناقضة التي أدلى بها ترامب وإدارته بشأن غزة تكشف عن عدم وجود توافق داخل إدارته. ورغم اقتراحه، فإن رد فعل المجتمع الدولي، وخاصة العربية والغربية، يظهر مدى تعقيد القضية، فضلاً عن التحديات الكبرى المتعلقة بالقانون الدولي والديناميكيات الإقليمية، فضلاً عن المخاوف الإنسانية التي تثيرها القضية.
وقال محامي الأمن الأمريكي لايجي برس إن هذا المقترح له جوانب أخرى قد تكون جزءا من استراتيجية سياسية تهدف إلى صرف الانتباه عن قضايا داخلية أكثر أهمية. وبينما يواجه ترامب قضايا كبرى في الولايات المتحدة، مثل الجدل الدائر حول تجميد مساعدات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وإعادة هيكلة مجتمع الاستخبارات، ربما استُخدمت تصريحاته بشأن غزة كوسيلة لصرف الانتباه عن تلك القضايا.
ويرى منتقدو ترامب أن مقترحاته تشكل جزءا من نمط أوسع من الإعلانات المتطرفة أو الاستفزازية في السياسة الخارجية، والتي غالبا ما يتم التراجع عنها أو عدم تنفيذها. لكن خلال فترة ولايته الأولى، أطلق مرارا وتكرارا تصريحات جريئة – مثل التهديدات بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي أو فرض رسوم جمركية على الحلفاء الرئيسيين – والتي تم التقليل من أهميتها لاحقا أو تخفيفها كجزء من استراتيجيته التفاوضية المزعومة. وقد يكون اقتراحه بشأن غزة بمثابة خطوة أخرى من هذا القبيل.
وقال محامي الأمن الأميركي إن “ترامب لم يظهر أي نية حقيقية لمعالجة مشكلة غزة ولم يحاول إيجاد حلول مستدامة”، مشيرا إلى أن تصريحاته لم تظهر أي اهتمام باستقرار قطاع غزة أو إيجاد حلول دائمة. وفي نهاية المطاف، يبدو أنه أكثر اهتماما بالضجة الإعلامية المحيطة بالقضية من إيجاد حلول جدية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
وعندما سئلت عما إذا كان التباين بين التصريحات مناورة سياسية أم تراجعا بسبب الغضب العربي والدولي، قالت: “مزيج من الاثنين”، موضحة أنها مناورة سياسية كان لا بد من تعديلها بسرعة بسبب الغضب. وكان اقتراحهم بمثابة خطوة استراتيجية جريئة تهدف إلى تغيير النقاش حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن رد الفعل العنيف من جانب الدول العربية والمنظمات الإنسانية والحلفاء الدوليين أجبر البيت الأبيض على سحب الاقتراح.
وتشير التوضيحات اللاحقة التي قدمتها الإدارة ورفضها للخطط الرامية إلى تحقيق السيطرة الأميركية الدائمة إلى محاولة لإنقاذ ماء الوجه وليس الانسحاب الكامل. ومن خلال تخفيف موقفهم، ربما يحاولون الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن البيان الأصلي ربما كان خطوة سياسية متعمدة، فإن الانسحاب السريع من جانب الإدارة يشير إلى أن رد الفعل كان أقوى من المتوقع وأجبرها على إعادة التفكير في نهجها، كما قال توكيرمان.
وكانت ردود فعل الجمهوريين مختلفة
وبالإضافة إلى ذلك، سيواجه ترامب أيضا تحديات داخل الحزب الجمهوري بشأن قضية غزة إذا أثارت خطته نقاشا داخليا ساخنا. على سبيل المثال، يصف السيناتور ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية، وهو حليف وثيق لترامب، الاقتراح بأنه “مشكلة” ويعرب عن شكوكه بشأن استعداد الجمهور الأمريكي لإرسال قوات إلى غزة لتنفيذ الخطة.
وأشاد رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون بنهج ترامب باعتباره حلا محتملا لخلق “سلام دائم” في غزة، في حين رفض السيناتور راند بول الفكرة باعتبارها تدخلا مكلفا وخطيرا، محذرا: “الولايات المتحدة ليس لها الحق في التفكير في احتلال آخر”.
وفي الحزب الديمقراطي، بدأ ممثل ولاية تكساس آل جرين إجراءات عزل ترامب. واتهمه بـ”التطهير العرقي في غزة” ووصف تصريحاته بشأن غزة بـ”المثيرة للسخرية”. وقال: “بالنسبة لجميع المعنيين، فإن التطهير العرقي في غزة ليس مزحة، خاصة عندما يأتي من رئيس الولايات المتحدة، الرجل الأقوى في العالم، والذي لديه القدرة على تصحيح تصريحاته بشكل كامل”، حسبما ذكرت قناة سكاي نيوز.
وقال النائب الديمقراطي جيك أوكينكلوس لموقع نيوزنايشن دوت كوم إن الاقتراح “متهور وغير عادل”، مضيفا أنه قد يعرض المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس للخطر. “علينا أن ننظر إلى دوافع ترامب، وكما هو الحال دائما عندما يقدم مقترحات سياسية، هناك ارتباط بين ذلك والمحسوبية والمصلحة الذاتية”.
وتستمر الانتقادات العربية والدولية لخطة ترامب في التزايد، في حين تواجه الإدارة عقبات كبيرة في حشد الدعم لخطتها. ورغم أن الاتحاد الأوروبي وحلفائه الرئيسيين مثل بريطانيا وألمانيا أكدوا دعمهم لحل الدولتين، فإن اقتراح ترامب يهدد بمزيد من عزلة الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
نجاح أميركا في طرد سكان غزة
وعن فرضية نجاح الولايات المتحدة في طرد سكان غزة، يرى محامي الأمن القومي الأميركي: “من غير المرجح أن تنجح واشنطن في إجلائهم لأن هناك مقاومة دولية قوية”. ورفضت الدولتان الإقليميتان الرئيسيتان، مصر والأردن، أي تهجير قسري للفلسطينيين. وهناك عقبات قانونية وإنسانية، من بينها التهجير القسري للمدنيين، وهو ما يشكل انتهاكا للقانون الدولي. كما يرفض أهالي غزة أية محاولة لطردهم من أرضهم.
وأشارت إلى أن النتيجة الأكثر واقعية هي أن واشنطن قد تدفع نحو عمليات إعادة توطين مؤقتة تحت ستار المساعدات الإنسانية أو إعادة الإعمار، ولكن الإخلاء على نطاق واسع سيكون مستحيلا تقريبا من دون مقاومة ساحقة على جبهات متعددة. والأمر الأكثر أهمية هو أن ترامب ليس لديه أي مصلحة في مثل هذه الخطة لأنه لا يريد أن يدفع ثمنها أو يواجه دعاية سيئة. إنه مهتم بالحفاظ على سمعته كـ “صانع سلام” ولكن أيضًا كمفكر جانبي.
وزعم محامي الأمن القومي الأميركي أن ترامب تعمد خلق حالة من الفوضى من أجل التراجع في نهاية المطاف بعد إثارة الجدل بمقترحاته المثيرة للجدل، استناداً إلى استراتيجياته المعروفة التي تتطلب الموافقة على مقترحات معقولة ومحدودة. ويضيف أن ما قد يبدو وكأنه لعبة هو في الحقيقة محاولة لإجبار الدول العربية على تقديم عروض لا يمكنها رفضها.