“هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أمريكا”
ما هو تأثير سياسة ترامب على موقف أميركا على الساحة الدولية؟ هل تتحول خطة طرد الفلسطينيين من غزة إلى حقيقة؟ ما هي الرؤية السياسية للرئيس الأمريكي تجاه الأجانب؟
وقد تناولت الصحف العالمية هذه الأسئلة في مقالاتها اليوم. وناقش المؤلفان تداعيات سياسات ترامب ليس فقط فيما يتصل بالحرب في غزة، بل أيضا فيما يتصل بتهديداته بشأن جرينلاند، وحرب الرسوم الجمركية، وغيرها من القضايا التي تهم الرأي العام الدولي.
لنبدأ من صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، التي كتب فيها بن رودس مقالاً بعنوان “هذا ليس دونالد ترامب الذي انتخبته أميركا”.
قال نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون رودس إن السياسة الخارجية التي ينتهجها ترامب تعكس تراجعا في الثقة الأمريكية، وهو ما يهدد بتعريض مكانة البلاد العالمية للخطر.
ويتذكر المؤلف تأسيس الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، عندما كان التركيز في السياسة الخارجية منصبا على الدفاع عن الحرية وتعزيز المؤسسات الدولية. لكن المؤلف يرى السياسة الأميركية اليوم بشكل مختلف تماما: فهي تهدد بغزو دول أصغر، وتنسحب من المؤسسات الدولية، وتقترح بشكل غير رسمي التطهير العرقي في قطاع غزة.
وقال رودس إن هذا التغيير في السياسة الخارجية يعكس تراجعا في مفاهيم مثل الحرية وتقرير المصير والأمن الجماعي، والتي كانت من بين القيم الأساسية لأميركا بعد خوض حربين عالميتين.
خاض ترامب انتخابات إعادة انتخابه على أساس وعود بتحسين مكانة أميركا في العالم، فضلاً عن وعود بتغيير سياسة الأمن القومي والتجارة الدولية، وسعى إلى تعزيز سلطته من خلال ملء المناصب الفيدرالية بالموالين.
لكن المؤلف مقتنع بأن السياسة الخارجية لترامب تتسبب في فقدان أميركا للثقة والاحترام الدوليين، بدلا من أن تكون علامة على القوة. ويشير إلى أن ترامب، في مساعيه لتوسيع نفوذه، يبدو أقرب إلى الزعماء الاستبداديين الذين يسعون إلى التوسع الإقليمي لتعزيز سلطتهم.
ويرى الكاتب أن خطط ترامب قد تكون بمثابة مناورة لفتح مفاوضات حول قضايا قد لا تشكل أولوية بالنسبة للأميركيين، مثل خفض الرسوم على السفن التي تمر عبر قناة بنما أو الوصول إلى موارد جرينلاند. لكن هذا يشير أيضا إلى إمكانية أخرى: أن ترامب يعني في واقع الأمر ما يقوله عن التوسع الإقليمي.
ويرى رودس أن أهداف ترامب ليست تعبيرا عن القوة، بل هي سلوك “طفولي”. إن تهديداته بغزو بنما وجرينلاند أو شن حروب تجارية مع كندا والمكسيك تمثل “عدوانًا” يقوض المكانة الدولية للولايات المتحدة.
ويشير الكاتب إلى أن اقتراح ترامب بأن تمتلك الولايات المتحدة غزة وتحولها إلى “ريفييرا” الشرق الأوسط كان مفاجئا للغاية، مشيرا إلى أن “هذه المقترحات قد لا تصل إلى مرحلة الإثمار، لكنها تعزز فكرة إجبار الفلسطينيين في غزة على التنازل عن أرضهم مع تجاهل أمن الدول المجاورة مثل مصر والأردن”.
وفيما يتعلق بغزة، يقول الكاتب إنه لو كان ترامب يهتم حقا بمعاناة الناس في غزة، لما حاول تدمير الوكالة الدولية للتنمية، المسؤولة عن إعادة الإعمار وتقديم المساعدات الإنسانية.
ويخلص رودس في مقاله إلى أن أميركا أصبحت قوة عظمى متراجعة تحاول استعادة مكانتها المفقودة. ويجب أن نتذكر أن تحالف ترامب مع ماسك يشير إلى مستقبل قد لا تكون فيه قواعد لاستخدام السلطة، وتواجه البلاد تحديات كبرى على مستوى العالم.
“خطة ترامب لإخلاء غزة قد تهز واقع إسرائيل”
إلى صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، يوضح الكاتب دان بيري أنه منذ بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كان هناك يهود يرفضون وجود العرب، وينطبق الأمر نفسه على العرب تجاه اليهود.
لم يكن لزاما عليك أن تكون متطرفا في أحد الجانبين لكي تشعر بأن البلاد كانت صغيرة جدا بالنسبة لشعبين مختلفين وعنيدين إلى هذا الحد. ولكن الفكرة الوحيدة التي كان “المجانين” يؤيدونها كانت فكرة الترحيل، على حد قول بيري.
ترامب يعرض خطة “غير مكتملة” لطرد مليوني فلسطيني من غزة. وفي هذا السياق يطرح الكاتب عدة تساؤلات إذا ما أخذنا تصريحات ترامب على محمل الجد، مثل: هل ستبقى حماس في غزة بعد انسحاب إسرائيل؟ هل يرسل ترامب قوات أميركية لمحاربته؟ هل سيتم تنفيذ خطة إخلاء قطاع غزة؟
ويرى المؤلف أنه ليست هناك حاجة للمبالغة في تحليل مقترحات ترامب. ويشير إلى أن المقترح يعد “موضوعا ميتا” بسبب رفضه من قبل بعض الدول العربية والقيادة الفلسطينية.
من ناحية أخرى، يرى الكاتب أن الاستراتيجية قد تكون مزدوجة وأكثر ذكاءً مما تبدو عليه، حيث يكتب: “على المدى القصير، قد تساعد تصريحات ترامب في حل مشاكل ائتلاف حكومة نتنياهو، حيث يجد اليمين المتطرف فيها مبررًا للبقاء في الحكومة حتى لو انتهت الحرب وبقيت حماس في غزة”.
ويرى الكاتب أن ترامب قد يحقق نجاحا “غير متوقع” إذا ساعد في تحفيز الأطراف الإقليمية على اتخاذ خطوات واقعية في غزة بعد الحرب، من خلال الضغط على الدول العربية، بما في ذلك قطر، للدفع نحو انسحاب حماس من أجل تقديم المساعدة لإعادة إعمار غزة من دون حماس.
ويشير الكاتب إلى أنه إذا كان هناك دعم حقيقي من الدول العربية والغرب لتشكيل حكومة تكنوقراطية مدنية في قطاع غزة، فإن هذه الحكومة يجب أن تعمل بالتوازي مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وبالتناغم مع مصر ودول الخليج، وبالتنسيق مع الدعم الضمني من الغرب.
وفيما يتعلق بمقترح ترامب بجعل غزة غير صالحة للسكن، يتفق الكاتب على أنه لا ينبغي حشر سكان غزة في مكان غير صالح للسكن. ويشير إلى أن الأوضاع قبل الحرب “كانت سيئة للغاية بسبب حكم حماس”. “لقد أدى ذلك إلى تفاقم مشكلة الفقر بين السكان، وبالإضافة إلى ذلك، أدت الكثافة السكانية إلى ضغوط نفسية هائلة.”
ويخلص المؤلف إلى أن المقترحات الحالية قد تؤدي إلى تعقيد الوضع، ولكنها قد تشكل مع ذلك بداية لتحفيز الأطراف الإقليمية نحو تسوية واقعية بعد الحرب.
“ترامب ليس نرجسيًا، بل أناني”
ونختتم جولتنا مع صحيفة “الغارديان” البريطانية اليومية ومقال للكاتب جون ماك آرثر يتساءل فيه لماذا يواصل الأجانب – وخاصة الفرنسيين والبريطانيين – طرح الأسئلة حول “الرؤية السياسية” للرئيس ترامب رغم أنه يصف أفعاله بأنها متناقضة وغير عقلانية.
يصف المؤلف طبيعة ترامب “السلبية” والتي تختلف عن النرجسية، حيث يعتبر ترامب “أنانيًا” ولا ينظر إلا إلى نفسه ولا يظهر أي اهتمام حقيقي بالآخرين، وهو ما يظهر بوضوح في سلوكياته وتصريحاته. مثل مزاحه حول مواعدة ابنته أو إهاناته لبايدن أثناء التنصيب.
ثم يوضح المؤلف كيف يستفز ترامب الهجمات من مختلف أطياف الساحة السياسية من أجل البقاء في مركز الاهتمام. ويشير أيضًا إلى أن ترامب يفضل أن يتعرض للهجوم بدلاً من تجاهله، وهو ما يظهر مدى عدم اهتمامه بالعواقب الحقيقية لسياساته، مثل التهديد بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك.
وعلى الرغم من “السياسات المزعجة” التي ينتهجها ترامب، مثل وقف المساعدات الحكومية مؤقتًا، يزعم المؤلف أن ترامب لا يشعر بالقلق إذا لم تؤدي هذه السياسات إلى تحسين الوضع.
وقال ماك آرثر “إن ما يهم بالنسبة له هو التأثير على وسائل الإعلام والحفاظ على الاهتمام بينما يستمتع بمعركة سياسية يعتقد أنها ستعزز مكانته”.
وأخيرا، يحذر المؤلف من أن أنانية ترامب قد يكون لها آثار ضارة في الأمد القريب، وخاصة إذا خضع له الآخرون دون تفكير. إن التهديدات قصيرة المدى قد تسبب ضررا أكبر من أي شيء آخر.