سفير مصر الأسبق بإسرائيل: التهجير ليس فكرة عابرة.. وتل أبيب في “حرب عالقة”- (حوار)

منذ 3 ساعات
سفير مصر الأسبق بإسرائيل: التهجير ليس فكرة عابرة.. وتل أبيب في “حرب عالقة”- (حوار)

ولا تزال أصداء خطة إعادة التوطين قائمة حتى يومنا هذا. ومنذ إحياء المقترح في أعقاب تعليقات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي طرح الرؤية الأميركية الإسرائيلية بشأن غزة، لا يزال الوضع متوترا في ظل استمرار الرئيس الجمهوري في طرح مقترحه بشأن غزة في رؤى مختلفة، كان آخرها خلال زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني للولايات المتحدة.

زيارة الملك عبد الله هي الأولى لرئيس عربي إلى واشنطن منذ تنصيب دونالد ترامب، حيث كرر خلالها فكرته بنقل الفلسطينيين في قطاع غزة إلى مصر والأردن، على افتراض أن البلدين سيتنازلان عن بعض الأراضي على حدودهما لتنفيذ خطة النقل. ولكن رد الفعل الأردني كان رفضاً واضحاً للمقترح، واعتبره تصفية للمشكلة وتجاهلاً تاماً للحقوق الفلسطينية، وهو ما أكدت عليه مصر بدورها منذ طرح المشروع للمرة الأولى. وفي هذا السياق، تواصل “ايجي برس” مع السفير المصري الأسبق لدى إسرائيل، عاطف سالم، للرد على تطورات هذا الأمر.

صورة 1_1

كيف تقيمون دور مصر في القضية الفلسطينية خاصة في ظل الوضع الراهن؟

ومن الصعب ربط الجهود المصرية الحالية بأحداث اليوم فقط، إذ أن دور مصر في القضية الفلسطينية هو دور تاريخي وشامل، مرتبط بالجغرافيا والتاريخ، ويعبر عن دعم غير مشروط للشعب الفلسطيني. ولم يكن هذا الدعم مشروطا أبدا، ولا خاضعا لحسابات أو مفاوضات أو تشكيل تكتلات. بل إنه أمر ثابت في السياسة المصرية. وكانت مصر من أوائل الدول التي رفضت خطة التوطين أو حتى ضغطت على سكان غزة لمغادرة بلادهم.

أما بالنسبة لقطاع غزة، فقد كانت مصر أول دولة أعلنت رفضها التام للتهجير القسري أو حتى الطوعي، ورفضت بشكل قاطع تصفية القضية الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، مورست ضغوط كبيرة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة دون عوائق، وتم شن حملة قوية من أجل وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن والسجناء الفلسطينيين.

أصدرت مصر أكثر من ثلاثة عشر بياناً بشأن القضية الفلسطينية. لقد كان من الواضح أن كل منهم كان ملحوظا. وعبروا عن قوة إرادة مصر وثباتها في دعم الحقوق الفلسطينية، كما عكسوا دور مصر في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة.

صورة 2_2

وبالإضافة إلى ذلك، عقدت مصر مؤتمرات ولقاءات عديدة دعماً للقضية الفلسطينية، بدءاً بمؤتمر القاهرة للسلام في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم سلسلة من اللقاءات والمؤتمرات الأخرى بالتعاون مع الأردن ودول أخرى. وكان موقف مصر الثابت والحازم هو الذي منع أي اضطرابات في المنطقة أو أي تهديد لاستقرارها.

لقد نجحت مصر في الحفاظ على توازن دقيق في المنطقة، حيث دعمت القضية الفلسطينية بشكل كامل دون أن تفقد دورها في الحفاظ على الاستقرار. وأعلنت أيضاً عن رؤيتها لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه، وأكدت وجود إجماع عربي حول هذه القضية من خلال تقديم خطة مفصلة لإعادة تأهيل خدمات المياه والصرف الصحي والصحة وغيرها في وقت مبكر.

وفيما يتعلق بالتنسيق مع الدول العربية والتفاعل مع هذا المقترح، كيف تقيمون الجهود والدور العربي فيما يتصل بقضية النزوح؟

وكانت الدول العربية تدرك خطورة الوضع الحالي منذ البداية. وعقدت عدة لقاءات على مستويات مختلفة، بما في ذلك بين وزراء خارجية الدول العربية، وبين رؤساء الدول والحكومات العربية. ولكن كل ذلك جرى في إطار التسوية والوساطة والتهدئة ووقف إطلاق النار.

ومع ظهور هذا المشروع الكبير، مشروع الطرد، بدأت مخاوف السكان العرب والعالميين تتزايد. وخاصة أن جذورها تعود إلى ما قبل تأسيس دولة إسرائيل، وبالتحديد إلى ما قبل عام 1948، واستمرت حتى يومنا هذا.

هناك العديد من الدراسات التي تتناول قضية النزوح والمراحل المرتبطة به. من وجهة نظري فإن الطرد هو جوهر المشروع الصهيوني. منذ عام 1948، تجري محاولات لطرد الفلسطينيين من قراهم. وقد تم توثيق ذلك في العديد من الكتب، على الرغم من أن بعض الملفات لم يتم نشرها حتى الآن.

صورة 3_3

لقد تمت مناقشة عملية إعادة التوطين مرارا وتكرارا. خلال فترة ولايته الأولى، عُرضت على نتنياهو مرتين خطة لتوطين الفلسطينيين في سيناء، والتي تضمنت أيضاً إنشاء مدينتين لهذا الغرض. وقد ورد ذكر الطرد عدة مرات، بما في ذلك في أعوام 1955، و1971، و2004، و2006، و2010. ومن ثم فإن هذه السياسة لها جذور تاريخية بعيدة المدى، وتُستخدم في السياسة الإسرائيلية كأداة منهجية لتحقيق ما يسمى “إسرائيل الكبرى”، التي تشمل جزءاً من شبه جزيرة سيناء، فضلاً عن أجزاء من جنوب سوريا وجنوب لبنان والأردن.

وإزاء هذه التطورات، أدركت الدول العربية خطورة الوضع الراهن. ولهذا السبب انعقد في القاهرة اجتماع سداسي حيث تم اقتراح مشروع إعادة التوطين. وخلال هذا الاجتماع، أكد وزراء الخارجية بوضوح معارضتهم المطلقة لعملية الطرد، ولكنهم في الوقت نفسه أكدوا دعمهم الكامل للأونروا وأسسوا مجموعة من المبادئ تعكس موقفا موحدا للدول الست المعنية.

وأكدت الدول العربية رفضها التام لكل المحاولات الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، والتزمت بدعم حل الدولتين ورفضت المساس بحقوق اللاجئين الفلسطينيين. وأكدوا على دور الأونروا في دعم نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني حول العالم.

وبالإضافة إلى ذلك، أرسل خمسة وزراء خارجية عرب رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعربوا فيها عن معارضتهم للطرد، خاصة وأنه يبدو أنه لم يكن لديه معلومات كافية حول هذه القضية. ومن المنتظر أن تشهد الفترة المقبلة ثلاثة لقاءات عربية هامة وهي:

صورة 4_4

ومن المقرر أن يعقد اجتماع للأطراف الخمسة في السعودية في 17 فبراير/شباط الجاري، بمشاركة وزراء خارجية مصر والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي 27 فبراير/شباط المقبل، ستنعقد قمة عربية استثنائية في القاهرة بدعوة من السلطة الفلسطينية، بمشاركة جميع رؤساء الدول والحكومات العربية، رغم أن البحرين تتولى حاليا رئاسة القمة العربية. ومن المقرر أن تنعقد القمة العربية العادية المقبلة في العراق بعد عيد الفطر في إبريل/نيسان المقبل.

وبالإضافة إلى ذلك هناك جهود لعقد قمة لمنظمة التعاون الإسلامي. وتجري مصر حاليا اتصالات لترتيب هذا الاجتماع لضمان التوصل إلى موقف إسلامي موحد تجاه هذه القضية.

كيف تقيمون رد الفعل الأوروبي على تصريحات ترامب بشأن هذه التطورات؟

هناك فروق واضحة بين المواقف الأوروبية وهناك نوع من محو الهوية الأوروبية فيما يتعلق بغزة. أما فيما يتعلق بطرد سكان قطاع غزة، فهناك إجماع واسع في أوروبا على رفض ذلك باعتباره انتهاكا صارخا للقانون الدولي. ولكن هناك اختلافات في الرأي بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا الشرق الأوسط الأوسع: فبعضها يعترف بفلسطين، والبعض الآخر يعارضها. وبالإضافة إلى ذلك، هناك مواقف مختلفة بين الدول التي تدعم إسرائيل سياسيا وعسكريا وتلك التي تدعم الفلسطينيين.

ويرجع هذا التفاوت إلى حد كبير إلى النفوذ الأميركي على عملية صنع القرار الأوروبي. تسيطر الولايات المتحدة بشكل متزايد على القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية في الاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى تراجع الدور المستقل لأوروبا. ونظرا لهذا النفوذ الأميركي المستمر، فإن أوروبا قد تجد نفسها في ورطة ما لم تتبن موقفا أكثر استقلالية في مواجهة الضغوط الأميركية.

صورة 5_5

وفي نهاية المطاف، تظل هناك حاجة إلى إعادة تقييم مواقف السياسات بشأن هذه القضية، خاصة وأن النزوح القسري يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الآخرين وخرقا واضحا للقانون الدولي. ولهذا السبب فإن العديد من الدول، حتى خارج العالم العربي، تنظر إلى هذه الخطط باعتبارها إهانة للمجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها. ولكن في خضم هذه التحولات، فإن الدول العربية مهتمة في المقام الأول بحماية مصالحها الوطنية وضمان عدم تبني أي خطط تقوض الحقوق الفلسطينية.

كيف تقيمون الوضع السياسي الحالي في إسرائيل؟

ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسترشد باعتبارات شخصية وسياسية ضيقة الأفق. ويحاول البقاء في السلطة، حتى لو اضطر إلى استئناف الحرب لتحقيق أهدافه. في المقابل، يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قيوداً أخرى. وتتجلى هذه التوجهات في سعيه إلى التوصل إلى اتفاق تطبيع شامل في المنطقة، وتطبيق اتفاقيات إبراهيم بشكل عام. وسوف يتركز الاهتمام في البداية على المملكة العربية السعودية، على أن تنضم إليها لاحقا دول عربية وإسلامية أخرى.

صورة-6

لكن هذه الصفقة الكبرى تهدف إلى تجاوز الدولة الفلسطينية وعدم إدراجها في إطار الحلول المقترحة. وفي حين أن المملكة العربية السعودية والدول العربية لديها مواقفها الخاصة، فإن ترامب عازم على دفع الاتفاق بأي ثمن حتى لا تتمكن الدولة الفلسطينية من الوجود فعليا في المستقبل.

لقد رفع ترامب سقف المفاوضات عالياً، ودفع باتجاه طرد سكان غزة ومارس الضغوط على جميع الأطراف لاختبار حدود الاستجابات المحتملة. ومن المرجح أن يتم استغلال الدور المصري في هذا السياق. وإذا قرر ترامب لاحقا تغيير موقفه، فقد يمنح الأطراف المعنية مساحة تفاوضية ضيقة، مما يجعل أي تسوية مقترحة، حتى لو كانت سيئة، تبدو خيارا أكثر قبولا من سيناريو الطرد الكامل.

ولكن يجب التأكيد على أن التهجير يظل جزءاً لا يتجزأ من المشروع الصهيوني، سواء الآن أو في المستقبل. منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت التصريحات بشأن خطط الطرد، ونشرت العديد من الدراسات التي أعدها معهد ميسغاف بالتعاون مع وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، فضلاً عن تقارير أخرى من مراكز بحثية مختلفة، والتي توضح مدى الجهود المبذولة في هذا الاتجاه. ونظراً لهذه الحقائق، يبدو أن إسرائيل تستغل الفرصة لتجنب القضية الفلسطينية تماماً.

إن هذه الأزمة ليست بالضرورة نتيجة لعملية الجرف الصامد، لكن أسبابها الرئيسية تعود إلى تشكيل حكومة متطرفة في أوائل عام 2023، حيث تضمنت اتفاقياتها الائتلافية بنوداً قاسية للغاية، شملت نحو 170 بنداً، بما في ذلك التأكيد على أن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وفرض السيادة الكاملة على الضفة الغربية حتى عام 2025، وتعيين شخصيات متطرفة في مناصب مؤثرة.

صورة 7_7

خلال فترة ولاية ترامب السابقة، كان الحديث عن “حل الدولتين” مجرد إجراء شكلي ولم يكن مرتبطا بأي التزامات عملية. ومع طرح “صفقة القرن”، تم حل قضايا الوضع النهائي بشكل كامل لصالح إسرائيل، حيث تم إلغاء جميع الحقوق الفلسطينية فيما يتعلق باللاجئين والقدس والحدود. ولم يكن هذا الاتفاق مبنيا على القانون الدولي أو قرارات الأمم المتحدة، بل على تفسيرات للتاريخ منحازة لصالح إسرائيل. وفي هذه العملية، تم تجاهل أكثر من 700 قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وأكثر من 110 قراراً لمجلس الأمن، ولم يتم تنفيذها قط.

وليس أمام حكومة نتنياهو الحالية بديل سياسي عن الحرب. إنها تريد الاستمرار في ذلك، على الرغم من أنه أصبح بالفعل بمثابة حرب وشيكة ألحقت أضراراً بالغة بسمعة إسرائيل وأضرت باقتصادها. علاوة على ذلك، فقد أدى ذلك إلى تزايد موجة الكراهية ضد البلاد في العالم. لكن الحكومة الإسرائيلية ترى في هذه الحرب فرصة ذهبية لتدمير المشروع الوطني الفلسطيني وتصفيته بشكل كامل.

كيف تأثر الوضع الداخلي في إسرائيل بمقترح ترامب؟

وحظي اقتراح ترامب بنقل المستوطنات بدعم واسع النطاق ليس فقط من الأحزاب اليمينية، بل حتى من المعارضة الإسرائيلية، التي أيدت الاقتراح بحماس لأنها اعتبرته الحل الأفضل.

إن الطرد ليس مجرد فكرة مؤقتة، بل هو نهج متجذر في الفكر الصهيوني، ومدعوم برؤى دينية وسياسية. وتعتقد التيارات الدينية أن الضفة الغربية تمثل أرض “يهودا والسامرة” التي وعد بها الله النبي إبراهيم. في المقابل، لا تنظر التيارات السياسية إلى الضفة الغربية باعتبارها “أرضاً محتلة” بل “أرضاً متنازع عليها”، وهو ما يسمح لها بمواصلة خططها لتثبيت السيطرة الإسرائيلية عليها بحلول عام 2025.

وتشهد الضفة الغربية حاليا تصعيدا كبيرا مع سعي إسرائيل إلى فرض سيطرتها الكاملة على البلاد، في حين تواصل الحرب على قطاع غزة. ويأتي ذلك في إطار استراتيجية تهدف إلى القضاء على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.


شارك