دون تهجير.. ما ملامح الخطة المصرية العربية لإعمار غزة؟

وينتظر الجميع تفاصيل الخطة المصرية العربية المشتركة التي تعمل عليها مصر وعدد من الدول العربية لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه دون تهجير. وتأتي هذه الخطة ردا على مقترحات الرئيس الأميركي بنقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن وربما دول أخرى والاستيلاء على غزة وتحويلها إلى ما أسماه “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وبحسب مصادر تحدثت معها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، فإن القاهرة تقترب من الانتهاء من التفاصيل الفنية للخطة. ويتضمن ذلك إزالة الأنقاض، وإعادة بناء قطاع غزة، وتحديد كيفية عيش الفلسطينيين في هذه الأثناء. ولكن لا تزال بعض القضايا السياسية دون حل، بما في ذلك مستقبل الحركات المسلحة في قطاع غزة، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي.
كما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد، على أهمية البدء في إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه، مشيرا إلى أن مصر تعد خطة شاملة في هذا الصدد.
وتجري مصر حاليا مشاورات مع دول عربية، بما في ذلك الأردن والمملكة العربية السعودية، حول تفاصيل الخطة وإعدادها لعرضها في اجتماع عربي خماسي في الرياض يوم 21 فبراير/شباط. وتشمل القائمة المملكة العربية السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر. ومن المتوقع أن تشارك دول خليجية أخرى في هذا الاجتماع.
وقال مسؤول أردني لرويترز إن الاجتماع في الرياض مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيكون حاسما لأنه يقود الجهود الحالية لتطوير خطة.
وسيلي هذا الاجتماع قمة أزمة عربية كان من المقرر عقدها في وقت لاحق من الشهر الجاري ولكن قد يتم تأجيلها لبحث تطورات القضية الفلسطينية في ضوء أفكار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بحسب السفير حسام زكي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وبحسب وكالة رويترز، فقد تم صياغة أربعة مقترحات على الأقل، لكن مقترحا مصريا يبدو حاليا هو أساس الجهود العربية لتقديم بديل لفكرة ترامب يمكن بيعه له. ولكي نحظى بموافقته، ربما كان من الممكن أن نطلق عليها اسم “خطة ترامب”.
وأعلنت مصر أن الخطة سيتم تنفيذها بالتعاون مع الحكومة الأميركية للوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية يأخذ في الاعتبار حقوق شعوب المنطقة. وتقول مصادر مصرية أيضاً إن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي سيلعبان دوراً.
كيف يمكن تنفيذ خطة إعادة إعمار غزة دون تهجير السكان؟
وقال مصدر مصري مطلع لبي بي سي إن المشاورات العربية بدأت بالفعل للتحضير لمؤتمر لإعادة إعمار قطاع غزة بمشاركة أوروبية واسعة، وبدء الخطوات الأولى نحو إعادة إعمار قطاع غزة.
وأضاف المصدر أن الخطة العربية ترتكز بالأساس على إعادة إعمار قطاع غزة وسكانه. وسيتم تحقيق ذلك من خلال تقسيم القطاع إلى ثلاث مناطق إنسانية. وفي كل من هذه المناطق سيكون هناك مخيم كبير يعيش فيه السكان ويتم توفير المستلزمات الضرورية لهم مثل الماء والكهرباء وغيرها.
وبحسب الخطة، سيتم نقل آلاف الكرافانات والخيام التي تشبه المنازل إلى مناطق آمنة لمدة ستة أشهر، وفي الوقت نفسه سيتم إزالة أنقاض الحرب خلال نفس الفترة، وهو الأمر الذي لا تسمح به إسرائيل حاليا في المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.
وستؤكد الخطة أيضا على ضرورة السماح بدخول كميات كافية من البضائع إلى غزة، كما كان الحال قبل الحرب، فضلا عن الوقود ومعدات إعادة الإعمار.
ومن مميزات الخطة المصرية العربية أن إعادة الإعمار ستتم بأموال عربية ودولية وبمشاركة نحو 50 شركة متعددة الجنسيات متخصصة في التصميم والبناء والتخطيط، ومن المقرر أن تبني وحدات سكنية آمنة في مناطق قطاع غزة الثلاث خلال عام ونصف.
ولم يستبعد مسؤول حكومي عربي إنشاء صندوق يحمل اسم “صندوق ترامب لإعادة إعمار قطاع غزة”، في تصريح لوكالة رويترز.
ويتضمن الاقتراح أيضا إنشاء منطقة عازلة وحاجز لمنع بناء الأنفاق على طول الحدود بين غزة ومصر، بحسب رويترز. وسيتم بعد ذلك إزالة الأنقاض وبناء عشرين منطقة سكنية مؤقتة.
دكتور. وقال طارق النبراوي رئيس جمعية المهندسين المصرية لبي بي سي إن الجمعية شكلت لجنة استشارية الثلاثاء للعمل مع اتحاد المهندسين العرب لوضع استراتيجية فنية خلال أسبوعين لإعادة بناء قطاع غزة على أعلى مستوى هندسي دون تشريد السكان المحليين.
وأوضح النبراوي أن التنفيذ الكامل والنهائي للخطة قد يستغرق ما بين ثلاث إلى خمس سنوات إذا حصلت على دعم كبير، حيث تحتاج إلى مشاركة مئات الشركات والمكاتب الهندسية والتحالفات في مصر والعالم العربي والعالم بسبب حجم الدمار الشديد في هذا القطاع.
وعن المراحل الفنية لهذه الخطوة يوضح النبراوي أنه في البداية يجب إزالة الأنقاض وإعادة تدويرها كجزء من الخرسانة للبناء أو كجزء من الأرضيات أثناء عملية البناء. ومن ثم يجب أن يبدأ توسيع البنية التحتية لمحطات المياه والصرف الصحي والكهرباء وتحلية المياه وخطوط الاتصالات. وأخيرا، لا بد من تخطيط القطاع عمرانيا ومن ثم بناء الوحدات السكنية وكذلك المرافق التعليمية والصحية والثقافية المختلفة.
مستقبل حركة حماس في قطاع غزة وشكل الإدارة في قطاع غزة
ويرى المصدر المصري المطلع لبي بي سي أن النقطة الأهم التي لم تتم مناقشتها بوضوح حتى الآن هي مسألة وضع عناصر حماس وتسليح الحركة والحركات المسلحة الأخرى داخل قطاع غزة.
وأوضح المصدر أن هناك مقترحا يؤكد استعداد “المقاومة الفلسطينية” لنزع سلاحها فور الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي إنشاء منطقة عازلة لضمان عدم وجود أي تهديد من قطاع غزة لإسرائيل.
وبحسب وكالة رويترز، قالت ثلاثة مصادر أمنية مصرية إن الاقتراح الذي قدمته القاهرة يتضمن، بالإضافة إلى تطوير حل الدولتين، تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة قطاع غزة دون مشاركة حماس.
وأكدت مصادر لوكالة رويترز أنه سيكون من الضروري إجبار حماس على التنازل عن أي دور لها في قطاع غزة. وهذا يتطلب تشكيل قوات عربية ودولية مؤقتة لمساعدة السلطة الفلسطينية في السيطرة على القطاع في البداية.
ونقلت قناة القاهرة الإخبارية عن مصدر مصري لم تسمه قوله إن حماس لن تشارك في إدارة قطاع غزة في المرحلة المقبلة، لكنها ملتزمة بالمراحل الثلاث لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، هناك اتصالات مكثفة مع مصر لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية “مساعدة وإعادة إعمار القطاع”.
وكانت حماس قد أعلنت في وقت سابق أنها مستعدة لتسليم السيطرة على غزة إلى لجنة وطنية، لكنها تريد المشاركة في اختيار أعضائها، ولن تقبل بنشر قوات برية دون موافقتها.
وقالت المصادر التي تحدثت لرويترز إن الخطة ستكون كافية لتغيير رأي ترامب ويمكن فرضها على حماس والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.
يقول الباحث السياسي السعودي د. ويرى مبارك العاطي أن الخطة العربية يجب أن تتضمن أيضا إنهاء حكم حماس منفردا على قطاع غزة. ويضيف أنه لا يمكن استبعاد هذه المجموعة بشكل كامل.
وأضاف العاطي أنه يجب ممارسة الضغط على الطرفين، حماس والسلطة الفلسطينية، لتحقيق المصالحة الفلسطينية والحكم الموحد في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويؤكد المصدر المصري المطلع أنه وفقاً للخطة التي يتم إعدادها فإن الدول العربية ستقدم للسلطة الفلسطينية كل الدعم اللازم لتدريب كوادرها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.
ويرى العاطي أن حل الدولتين هو العائق الحقيقي أمام السلام في المنطقة، خاصة في ظل رفض إسرائيل من قبل الكنيست وتصويتها ضد فكرة إقامة الدولة الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية لعام 2002. ويضيف: يجب على الدول العربية التمسك بحل الدولتين في خطتها، خاصة إذا تخلى الشعب الإسرائيلي عن دعمه لحكومة نتنياهو اليمينية.
ماذا وراء خطة ترامب؟
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارا وتكرارا عن خطته لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة، أحيانا بحجة الرغبة في تملك الأراضي للاستثمار في السياحة، وأحيانا أخرى لصالح الفلسطينيين أنفسهم، الذين يحتاجون إلى العيش في أرض غير مدمرة مثل قطاع غزة. وهدد بقطع المساعدات عن مصر والأردن إذا لم تقبلا الفلسطينيين، ثم تراجع عن فكرة التهديد بالمال.
ويرى دان بيري، محرر شؤون الشرق الأوسط السابق في القاهرة ومحرر شؤون أوروبا وأفريقيا في وكالة أسوشيتد برس في لندن، أن خطة ترامب لطرد الفلسطينيين من غزة هي مجرد “حبر على ورق”. هدفه الحقيقي هو إجبار الدول العربية والفلسطينيين في قطاع غزة على الضغط على حماس وإبعادها عن الحكومة في قطاع غزة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب وقف الدعم المالي للحركة من جانب الدول العربية، وخاصة قطر، ويجب أن يُعرض على قيادة حماس الانسحاب النهائي من غزة.
وفي اجتماع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في واشنطن في 11 فبراير/شباط، قال العاهل الأردني للصحفيين إنه “ينتظر خطة مصر حول كيفية العمل مع ترامب بشأن تحديات قطاع غزة”، مضيفا: “العرب سوف يستجيبون لخطة ترامب وهو ينوي إجراء مشاورات حول هذه القضية في السعودية”.
وقالت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية كارولين ليفيت، مساء الأربعاء، إن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أوضح لترامب أنه يفضل بقاء الفلسطينيين في قطاع غزة أثناء عملية إعادة الإعمار. لكن الرئيس الأميركي لا يزال يعتقد أنه سيكون من الأفضل والأكثر أمانا بالنسبة لهم إخراجهم.
ويعتقد بيري أن ترامب قد يوافق على رفض العرب لطرد الفلسطينيين من غزة مقابل عشرات المليارات من الدولارات لإعادة إعمار غزة وموافقتهم على انسحاب حماس.
وأضاف بيري أن الأهداف الخفية لخطة ترامب قد تشمل أيضا إنشاء حكومة مدنية تكنوقراطية في قطاع غزة ترتبط بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وتعمل مع مصر ودول الخليج مقابل الرفض العربي لطرد الفلسطينيين من غزة.
دكتور. ويرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن حسن منيمنة أن خطة ترامب هي رغبة حقيقية لا يوجد بها أجندات خفية، لأنه يدرك أن صورته ستكون في خطر إذا تراجع عن تصريحه، فهو يريد طرد الفلسطينيين من غزة وتركها لإسرائيل. ويضيف: «الكرة في ملعب العرب سواء خضعوا لترامب أم لم يخضعوا».
ما هي الورقة الرابحة التي يمكن للعرب استخدامها الآن بعد أن رفض ترامب خطتهم المتوقعة؟
دكتور. وقال مبارك العاطي، أستاذ العلوم السياسية السعودي، إن الولايات المتحدة ستمارس الضغوط لكن لها مصالح كبرى في المنطقة، وخاصة في السعودية ومصر، ومن المؤكد أن ترامب سيأخذ هذا في الاعتبار في النهاية. وأضاف أن العلاقات الشخصية بين حكام مصر والولايات المتحدة والسعودية ستمكنهم من إيجاد أرضية مشتركة للاتفاق، خاصة في ظل زيارة ترامب المقررة إلى السعودية، والتي ستشكل العلاقات العربية الأميركية في الأيام المقبلة.
دكتور. ويعتقد حسن منيمنة، المحلل السياسي المقيم في واشنطن، أن العرب يجب أن يواجهوا خطة ترامب على قدم المساواة، فيعلنون إدانتهم أولاً قبل رفض طرد الفلسطينيين من غزة. ترامب يطبق منطق العنف في قراراته، وعندما يرى أن نظيره يفاوض ويساوم، سيصل إلى نتيجة مفادها أنه طرف ضعيف وخاضع.
ويضيف منيمنة أنه إذا قطع ترامب المساعدات العسكرية والاقتصادية عن مصر والأردن استجابة للخطة العربية، فيجب على البلدين أن يحصلا على دعم عربي في المقابل، ويجب على الرياض أن توقف استثماراتها في الولايات المتحدة، ويجب على الدول العربية أن تفتح أبوابها للتواصل الاقتصادي مع الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وأفريقيا وأميركا الجنوبية.
ويشير العاطي إلى قوة ورقة التطبيع السعودية مع إسرائيل وتهديدها بذلك، حيث أعلنت الرياض رداً على ترامب أنها ستربط التطبيع مع إسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية في حدود عام 1967. ويضيف العاطي أن الثقل السياسي والديني والاقتصادي للسعودية يفرض عليها أن تنظر إلى مصالحها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي تعتبر السيف الوحيد المتبقي لدى العرب للدفاع عن أنفسهم.
ويرى المصدر المصري، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن تهديد القاهرة بالانسحاب من معاهدة السلام مع إسرائيل (كامب ديفيد) الموقعة عام 1979، يعد حجة قوية ضد واشنطن في حال رفض ترامب الخطة العربية.