بعد أشهر قضاها تحت الأرض، مقاتل حزب الله الناجي “علم توا بمقتل نصر الله”

وفي خضم رعب الدمار والصدمة التي أصابت المدن التي سويت بالأرض بفعل قصف وانفجارات الجيش الإسرائيلي، ترددت صرخة في قرى جنوب لبنان وربما أبعد من ذلك: “محمد حي!”
محمد ضاهر هو شاب من كفركلا، وهو مقاتل في حزب الله، في أوائل العشرينيات من عمره. وتظهره المشاهد المتداولة بلحيته الكثيفة وشعره الطويل ويرتدي الجينز. وبينما كان يُحمل على الكتفين احتفالاً بنجاته، لم يستطع أن يصدق أن الأيام والأسابيع والأشهر التي قضاها تحت الأرض قد مرت، وأنه بقي على قيد الحياة رغم كل القصف الإسرائيلي، وأنه استطاع أن يرى الشمس مرة أخرى بعد وقت طويل تحت أرض مليئة بالأنقاض والدمار.
وكان محمد من بين مقاتلي حزب الله المفقودين – مثل مئات، وربما الآلاف، من مقاتلي الحزب الذين بقوا وحدهم في القرى الحدودية في مهمة قتالية ضد إسرائيل.
وقُتل عدد كبير منهم في الغارات والهجمات الإسرائيلية. وبعد ذلك، زحف الجيش الإسرائيلي إلى عدة مدن واستولى على السيطرة عليها لعدة أشهر. وفي هذه الفترة نفذ عمليات قصف واسعة النطاق لمبانٍ ومنازل سكنية، بحجة وجود أنفاق داخل البنية التحتية العسكرية لحزب الله. كفركلا – حيث تم العثور على محمد – هي واحدة من البلدات المدمرة بالكامل حيث لم يترك الإسرائيليون أي مبنى صالح للسكن.
ولم يتم تحديد عدد مقاتلي حزب الله الذين قتلوا في الأشهر الأخيرة من الحرب وفي أعقاب القصف خلال وقف إطلاق النار. ولم يعلن الحزب حتى الآن عن العدد النهائي لقتلاه، ولا يزال البحث مستمرا عن بقايا أو آثار مقاتلين قتلوا وتحللت جثثهم في ساحة المعركة التي تحولت لاحقا إلى أرض محتلة ومنكوبة.
ومن بينهم محمد. ولكن يوم الثلاثاء، وهو أول صباح يعود فيه السكان إلى بلدتهم كفركلا في الشريط الحدودي بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، خرج محمد بصحة جيدة من تحت أنقاض منزل جده.
وانتشرت أنباء عن العثور عليه ومعه شاب آخر من البقاع. لكن لم تظهر أي معلومات عن زميله، وتركزت الأنظار على محمد، الذي تم العثور عليه في ساعات الصباح الأولى عندما كان الجيش لا يزال يمنع السكان من دخول سياراتهم إلى المدينة حتى يتم تطهير المدينة والتأكد من عدم وجود متفجرات في المكان. وجاء بعض السكان، ومن بينهم عائلة محمد، إلى المدينة سيرًا على الأقدام.
لم نتمكن من التواصل بشكل مباشر مع محمد أو عائلته. لكننا تحدثنا إلى شخص يعرفها جيدًا، وهو أحد سكان كفر كلا.
وذكر أن محمد بقي تحت الأرض نحو خمسة أشهر وليس ثلاثة أشهر كما ذكرت بعض وسائل الإعلام.
وبحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن منزل عائلة محمد تم بناؤه في خمسينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت، قام الناس ببناء ملاجئ تحت الأرض والتي استخدمت فيما بعد كمخازن لتخزين الطعام والإمدادات للعائلات لفترات طويلة من الزمن. وحسب معلوماتنا فإن المنزل المجاور لمنزل محمد مبني بنفس الطريقة أيضاً ويحتوي أسفله على مخزن. عندما تم قصف المنزل أو تدميره، بقي محمد في هذا الملجأ – الطابق السفلي.
وليس من الممكن التحقق فعليا من هذه القصة أو كثير من القصص التي رواها محمد. لكن قصته الخيالية تقريبًا تركت انطباعًا عميقًا في نفوس كثير من الناس، ونقلت معلومات لا أحد يعرف مدى صدقها.
هدئ من روعك بشأن السيد
وتقول قصة شعبية إن محمد بعد إخراجه من تحت البيت سأل عن الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل في 27 سبتمبر/أيلول الماضي.
ويقال إنه قال: أهدأوني بشأن السيد.
وبحسب الرواة، فإن هذا دليل على أنه كان منفصلاً تماماً عن كل ما كان يحدث فوق الأرض طوال الوقت الذي قضاه محاصراً تحت الأرض.
حتى بعد ساعات من انتشار الخبر، تحدث شباب القرى الحدودية بدهشة عن قصة “محمد”.
وعندما سألتهم عما يعرفونه عن قصته، أجابني أحدهم باقتناع: “هناك بالتأكيد أكثر من محمد، وقد وجدوا أحياء”. لكن الأمر يتم التعتيم عليه
في تلك اللحظة شعرت كم أن قصة محمد تمثل بارقة أمل لأهل الجنوب، وخاصة للشباب الداعم لحزب الله. لقد بدوا ضائعين تماما في خضم الدمار الهائل والمرارة الشديدة.
وأوضح آخر أن محمداً نجا من خلال انقطاعه فعلياً عن كل شيء، وبالتالي لم يتمكن الإسرائيليون من العثور عليه. ولكنه توقف لحظة وسأل نفسه مرة أخرى: “حتى الكلاب البوليسية لم تستطع أن تشمه”.
وتحدثنا عن ألم الأمهات اللواتي لم يستطعن العثور على أي أثر أو بقايا لأبنائهن، وعن الحرب، وعن استمرار احتلال نقاط في لبنان من قبل إسرائيل، وعن تفوقها التكنولوجي الهائل.
ثم قال لي أحدهم: “لن نتمكن أبدًا من مواكبة إسرائيل من الناحية التكنولوجية. وبالتالي فإن نموذج المستقبل سيكون مشابهاً لنموذج محمد. نحن نحارب التكنولوجيا بالتخلي عنها بشكل كامل. نخرج هكذا دون أن نترك أي أثر لنا وندافع عن الوطن.