من هو حسن نصرالله أمين عام حزب الله الذي اغتالته إسرائيل؟

سيتم يوم الأحد 23 فبراير/شباط، دفن الأمين العام لحزب الله الراحل حسن نصر الله في العاصمة اللبنانية بيروت بعد اغتياله أواخر سبتمبر/أيلول 2024.
حسن نصر الله هو رجل دين شيعي قاد حركة حزب الله في لبنان من فبراير/شباط 1992 حتى اغتياله في سبتمبر/أيلول 2024. وأصبحت الجماعة الآن واحدة من أهم الأحزاب السياسية في لبنان ولديها قواتها المسلحة إلى جانب الجيش الوطني اللبناني.
ويعتبر نصر الله، الذي يتمتع بشعبية واسعة في لبنان ودول عربية أخرى، الوجه الأكثر أهمية لحزب الله، ولعب دورا رئيسيا في الانتقال التاريخي للجماعة إلى السياسة وفي اكتساب النفوذ في هيكل الحكومة اللبنانية.
ويحافظ نصر الله على علاقة خاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وزعيمها آية الله علي خامنئي. ورغم أن حزب الله يصنف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، فإن القيادة الإيرانية ونصر الله لم يخفوا أبدا علاقاتهم الوثيقة.
لدى نصر الله من المعجبين المتحمسين ما لا يقل عن أعداءه اللدودين. ولهذا السبب لم يظهر علناً لسنوات، خوفاً من محاولة اغتياله على يد إسرائيل. لكن اختفائه لم يمنع جمهوره من الاستماع إلى خطبه بشكل أسبوعي تقريبًا.
الطفولة والشباب
وُلِد حسن نصر الله في أغسطس/آب 1960 في حي فقير في شرق بيروت. وكان والده يمتلك متجرًا صغيرًا للبقالة، وكان نصر الله الأكبر بين تسعة أطفال.
كان عمره 15 عاماً عندما بدأت الحرب الأهلية اللبنانية؛ وفي هذه الدولة المتوسطية الصغيرة، شهدنا صراعاً مدمراً دام خمسة عشر عاماً، رسم خلالها المواطنون اللبنانيون حدوداً على أساس انتماءاتهم الطائفية، وقاتلوا بعضهم بعضاً.
في بداية الحرب، قرر والد حسن نصر الله مغادرة بيروت والعودة إلى قريته في جنوب لبنان: البازورية، التي ينتمي سكانها، كما العديد من قرى مدينة صور في محافظة الجنوب، إلى الطائفة الشيعية. وهناك تلقى أيضًا تعليمه الابتدائي والثانوي.
ويعتقد الكثير من الشيعة أنهم واجهوا التمييز وعدم المساواة خلال الفترة الاستعمارية على أيدي القوى الكبرى مثل الدولة العثمانية وفرنسا، وأن هذه المشاعر استمرت خلال فترة الاستقلال عندما تولت النخب المسيحية والسنية السلطة.
وفي تلك الفترة، اتُهمت الميليشيات المسيحية والسنية بتلقي الدعم من الخارج لتحقيق نجاحات عسكرية.
وفي الوقت نفسه، كانت المجتمعات الشيعية، التي تشكل الأغلبية في جنوب لبنان، وكذلك منطقة البقاع في شرق لبنان، مع مجموعة صغيرة من المسيحيين الموارنة والأرثوذكس، تعتبر خطوط المواجهة في القتال ضد إسرائيل.
وفي مثل هذا المناخ، لم يعتنق حسن نصر الله هويته الشيعية فحسب، بل انضم في سن الخامسة عشرة إلى ما كان آنذاك أهم جماعة سياسية وعسكرية شيعية في لبنان: حركة أمل، وهي جماعة مؤثرة وناشطة أسسها الإمام موسى الصدر.
العودة إلى لبنان والكفاح المسلح
هاجر حسن نصر الله إلى النجف عندما كان عمره 16 عاماً.
وكان العراق في ذلك الوقت بلداً غير مستقر، إذ عانى من عقدين من الثورات والانقلابات الدموية والاغتيالات السياسية. خلال هذه الفترة، كان حسن البكر لا يزال رسميًا في السلطة، لكن صدام حسين، نائب رئيس العراق آنذاك، كان قد اكتسب نفوذًا كبيرًا.
بعد عامين فقط من غزو حسن نصر الله للنجف، توصل زعماء حزب البعث، وخاصة صدام، إلى استنتاج مفاده أن هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات أخرى لإضعاف الشيعة. وكان أحد قراراتهم هو استبعاد جميع الطلبة الشيعة اللبنانيين من المدارس الدينية في العراق.
ورغم أن نصرالله درس في النجف لمدة عامين فقط ثم اضطر لمغادرة العراق، فإن وجوده في النجف كان له أثر عميق على حياة هذا الشاب اللبناني: ففي النجف التقى رجل دين آخر يدعى عباس الموسوي.
ويعد الموسوي أحد تلامذة موسى الصدر في لبنان، وتأثر بشدة بأفكار روح الله الخميني السياسية أثناء إقامته في النجف. وكان الموسوي أكبر من نصر الله بثماني سنوات، وسرعان ما أصبح معلماً صارماً ومرشداً مؤثراً في حياة حسن نصر الله.
وبعد عودتهما إلى لبنان، انضم الاثنان إلى القتال في الحرب الأهلية. لكن هذه المرة، توجه نصرالله إلى مسقط رأس عباس الموسوي، بلدة النبي شيت في البقاع.
الثورة الإيرانية وتأسيس حزب الله
بعد عام واحد من عودة حسن نصر الله إلى لبنان، اندلعت ثورة في إيران. واستولى روح الله الخميني، الذي كان يحظى بإعجاب رجال الدين مثل عباس الموسوي وحسن نصر الله، على السلطة. لقد أحدث هذا الحدث تغييراً جذرياً في العلاقة بين الشيعة في لبنان وإيران. علاوة على ذلك، تأثرت الحياة السياسية والنضال المسلح للشيعة اللبنانيين إلى حد كبير بالأحداث في إيران وأيديولوجية الإسلام السياسي الشيعي.
وبالنسبة لحسن نصر الله، كان هذا التغيير العميق نتيجة إلى حد كبير لقرار اتخذه روح الله الخميني. في عام 1981، التقى نصر الله مع زعيم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طهران. وقد عيّنه الخميني ممثلاً له في لبنان «للاهتمام بشؤون الحسبة وجمع الأموال الإسلامية».
وبعد ذلك، سافر نصر الله بين الحين والآخر إلى إيران، حيث أقام اتصالات مع أعلى مستويات صنع القرار والسلطة في الحكومة الإيرانية.
ويولي الإسلاميون الشيعة في إيران اهتماماً كبيراً بالسجلات التاريخية والعلاقات الدينية مع الشيعة اللبنانيين.
كانت المشاعر المعادية للغرب مبدأ أساسيا في النسخة الإيرانية من الإسلام السياسي الشيعي الذي نشره روح الله الخميني. وأصبحت معاداة إسرائيل و”القضية الفلسطينية” من أهم أولويات السياسة الخارجية الإيرانية بعد الثورة.
خلال هذه الفترة، أصبح لبنان، الذي كان يعاني بالفعل من الحرب الأهلية والاضطرابات، قاعدة مهمة للمقاتلين الفلسطينيين. وبالإضافة إلى بيروت، كانوا ممثلين بقوة أيضاً في جنوب لبنان.
ومع تزايد حالة عدم الاستقرار في لبنان، هاجمت إسرائيل البلاد في يونيو/حزيران 1982 واحتلت بسرعة أجزاء كبيرة منها. وزعمت إسرائيل أن الهجوم جاء ردا على العدوان الفلسطيني.
وبعد وقت قصير من الغزو الإسرائيلي، قرر قادة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الذين اكتسبوا خبرة في الحرب التقليدية بسبب الهجوم العراقي على إيران، إنشاء ميليشيا في لبنان تكون تابعة لإيران بشكل كامل. وقد اختاروا لهذه المجموعة الاسم الذي يعرفون به في إيران: “حزب الله”.
في عام 1985 أعلن حزب الله تأسيسه رسميا. وانضم إلى هذه المجموعة التي تشكلت حديثاً، حسن نصر الله وعباس الموسوي، بالإضافة إلى بعض الأعضاء الآخرين في حركة أمل. وتسلم القيادة شخصية أخرى تدعى صبحي الطفيلي. وسرعان ما تركت هذه المجموعة بصمتها على السياسة الإقليمية من خلال تنفيذها عمليات مسلحة ضد القوات الأميركية في لبنان.
في الطريق إلى أن تصبح مديرًا
عندما انضم نصر الله إلى حزب الله، كان عمره 22 عاماً فقط، وكان يُعتبر مبتدئاً بحسب معايير رجال الدين الشيعة.
وفي منتصف ثمانينيات القرن العشرين، ومع تعمق علاقات نصر الله مع إيران، قرر الانتقال إلى مدينة قم لمواصلة دراسته الدينية. خلال فترة دراسته في الحوزة العلمية في قم، تعلم نصر الله اللغة الفارسية بطلاقة وأقام صداقات وثيقة مع العديد من أعضاء النخبة السياسية والعسكرية في إيران.
وعند عودته إلى لبنان، وقع خلاف حاد بينه وبين عباس الموسوي. في ذلك الوقت، دعا الموسوي إلى توسيع الأنشطة والنفوذ السوري في لبنان تحت حكم حافظ الأسد، في حين أصر نصر الله على أن المجموعة يجب أن تركز على الهجمات ضد الجنود الأميركيين والإسرائيليين.
وكان نصر الله من الأقلية داخل حزب الله، وسرعان ما تم تعيينه “ممثلاً لحزب الله في إيران”. أعادته هذه المهمة إلى إيران، وفي الوقت نفسه أبعدته عن الساحة اللبنانية.
ظاهريا، بدا أن نفوذ إيران على حزب الله يتضاءل، وعلى الرغم من الدعم الواسع الذي تقدمه طهران، فقد ثبت أنه من الصعب التأثير على قرارات حزب الله. وتصاعدت التوترات إلى درجة أنه تمت إقالة صبحي الطفيلي من منصبه كأمين عام لحزب الله في عام 1991 واستبداله بعباس الموسوي بسبب معارضته لعلاقات المجموعة مع إيران.
بعد عزل الطفيلي، عاد حسن نصر الله إلى وطنه بعدما بدا أن موقفه من الدور السوري في لبنان قد تغير. وأصبح في الواقع الرجل الثاني في جماعة حزب الله.
قيادة حزب الله اللبناني
تم اغتيال عباس الموسوي على يد عملاء إسرائيليين بعد أقل من عام على انتخابه أميناً عاماً لحزب الله. وفي العام نفسه 1992 انتقلت قيادة المجموعة إلى حسن نصر الله. وكان عمره وقتها 32 عاماً، وعزا كثيرون قراره إلى علاقاته الخاصة بإيران. كما اعتقد العديد من رجال الدين الشيعة أن نصر الله لم يكن لديه تعليم ديني كافٍ، ولهذا السبب استأنف دراسته بالتوازي مع واجباته القيادية.
ومن المبادرات المهمة التي أطلقها حسن نصر الله في تلك الفترة ترشيح بعض حلفاء حزب الله وأعضائه للانتخابات اللبنانية. لقد مضى عام على الوساطة السعودية في الحرب الأهلية اللبنانية، التي انتهت باتفاق الطائف. وقرر نصر الله جعل الجناح السياسي لحزب الله لاعباً جدياً في البلاد إلى جانب جناحه العسكري.
ونتيجة لهذه الاستراتيجية، تمكن حزب الله من الفوز بثمانية مقاعد في البرلمان اللبناني.
في هذه الأثناء، استمرت الاتهامات للجناح العسكري للحزب بالتخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية. وشهدت هذه الفترة تفجير المركز الجالي اليهودي في الأرجنتين والهجوم على السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين.
وفي الوقت نفسه، سُمح لحزب الله بالاحتفاظ بأسلحته بموجب اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية. في ذلك الوقت، كانت إسرائيل تحتل جنوب لبنان، وظل حزب الله مسلحاً كمنظمة تقاتل ضد قوات الاحتلال.
وبفضل المساعدات المالية الإيرانية، تمكن نصر الله أيضاً من توفير الرعاية الاجتماعية والخدمات الاجتماعية للعديد من الشيعة اللبنانيين من خلال بناء شبكة معقدة من المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية. وأصبحت هذه السياسة، التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، أحد أهم مظاهر الحراك السياسي والاجتماعي الشيعي في لبنان.
انسحاب إسرائيل وشعبية نصر الله
في عام 2000، أعلنت إسرائيل أنها ستنسحب بشكل كامل من لبنان وتنهي احتلالها للأجزاء الجنوبية من البلاد. واحتفل حزب الله بهذا الحدث باعتباره انتصاراً كبيراً وأشاد بحسن نصر الله.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنسحب فيها إسرائيل من جانب واحد من أراضي دولة عربية دون التوصل إلى اتفاق سلام، وقد اعتبر العديد من المواطنين العرب في المنطقة هذا الأمر إنجازاً كبيراً.
لكن منذ ذلك الحين، أصبحت قضية الأسلحة واحدة من أهم القضايا المرتبطة باستقرار وأمن البلاد. بعد انسحاب إسرائيل من لبنان، طالبت القوى السياسية اللبنانية والأجنبية بنزع سلاح حزب الله، بينما احتفظ الحزب بسلاحه.
وفي وقت لاحق، خلال المفاوضات مع إسرائيل، وافق نصر الله على تبادل للأسرى أدى إلى إطلاق سراح أكثر من 400 أسير فلسطيني ولبناني، بالإضافة إلى مواطنين من دول عربية أخرى.
وفي تلك اللحظة، بدا نصر الله أكثر قوة وتأثيراً من أي وقت مضى. وكان التحدي الأكبر أمام خصومه في السياسة اللبنانية مواجهته ومنع توسع نفوذه وسلطته.
اغتيال الحريري وانسحاب سوريا
في عام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رفيق الحريري، تغير الرأي العام. وكان رفيق الحريري أحد أهم السياسيين في السعودية وبذل جهوداً كبيرة لمنع تنامي نفوذ حزب الله.
واتجه غضب الشعب نحو حزب الله وحلفائه العسكريين الرئيسيين في لبنان وسوريا. واتهموا بالتورط في اغتيال الحريري. رداً على المظاهرات المعارضة الكبيرة في بيروت، أعلنت سوريا أنها ستسحب قواتها المسلحة من البلاد.
ولكن عندما أجريت الانتخابات البرلمانية في ذلك العام نفسه، لم يتمكن حزب الله من زيادة حصته من الأصوات فحسب، بل تمكن أيضاً من وضع اثنين من أعضائه في الحكومة.
وفي صيف عام 2006، نفذ مقاتلو حزب الله عملية على الحدود الجنوبية للبنان، مما أسفر عن مقتل جندي وأسر اثنين. وردت إسرائيل بشن هجوم عنيف استمر 33 يوما وأسفر عن مقتل نحو 1200 لبناني.
وكانت نتيجة هذه الحرب ارتفاع شعبية نصر الله، الذي تم تصويره في الدول العربية على أنه آخر شخص يقاوم إسرائيل.
وفي نهاية الحرب، رفض حزب الله مجدداً تسليم سلاحه. بالإضافة إلى ذلك، لعبت المجموعة دورًا مهمًا في إعادة بناء الدمار الذي خلفته الحرب. ويقول معارضو الجمهورية الإسلامية في إيران إن هذا الدور لم يكن ممكنا إلا بفضل الدعم المالي السخي من طهران.
نفوذ نصرالله المتزايد وترسيخ مكانته
ونظراً لنفوذ حزب الله المتزايد، فإن معارضيه السياسيين، وخاصة السنة في لبنان، يؤكدون أن حزب الله أصبح دولة داخل الدولة، ويزعمون أن أنشطته تقوض أمن لبنان واقتصاده.
في عام 2008، وبعد أشهر من الصراع السياسي، قررت الحكومة اللبنانية تفكيك نظام الاتصالات الذي يسيطر عليه حزب الله ووضع شؤون الاتصالات تحت السيطرة الكاملة للدولة. ورفض نصر الله هذا القرار، وخلال وقت قصير سيطرت ميليشياته على بيروت بشكل كامل.
ولاقت هذه الخطوة التي اتخذها نصرالله انتقادات واسعة في الدول الغربية. لكن بعد مفاوضات سياسية، نجح في تعزيز نفوذ حزب الله في الحكومة اللبنانية.
لقد نجح نصر الله في التغلب على أزمات تاريخية مثل الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية، والأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان، وتضاؤل تمثيله في البرلمان اللبناني بعد الانتخابات الأخيرة في عام 2022.
ويعتبر حسن نصر الله (63 عاماً) زعيماً سياسياً وعسكرياً في لبنان، رغم انقسام مكانته ودوره ورفض خصومه السياسيين هيمنته على المستوى اللبناني ونشر الأسس العقائدية للإسلام الشيعي من خلال حزب الله.