من عناقيد الغضب لإسناد غزة.. تاريخ مواجهات حسن نصر الله مع الاحتلال الإسرائيلي

استقبلت مدينة كميل شمعون الرياضية في العاصمة اللبنانية بيروت، صباح اليوم الأحد، عشرات الآلاف من المشاركين في مراسم الحداد على الأمينين العامين السابقين لحزب الله حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، اللذين استشهدا في هجمات لجيش الاحتلال الإسرائيلي قبل نحو خمسة أشهر.
ولإتاحة الفرصة للمشاركين لحضور مراسم الجنازة حتى أثناء تنقلهم، تم تعليق شاشات ضخمة على معظم الطرق المؤدية إلى المدينة الرياضية.
وقال الحزب إنه يتوقع مشاركة نحو مليون من أنصاره. وهم يأتون من مختلف مناطق لبنان، ومن وفود إيرانية وبعض الدول العربية.
– أجواء واحتفالات وداع السيد نصرالله
تسود أجواء من الحزن والأسى في المدينة الرياضية في بيروت. وتنتشر صور كبيرة للشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، وتحيط بها الأعلام اللبنانية ولافتات حزب الله ترفرف في كل مكان. وفي ظل هذه الأجواء يتكرر شعار “نحن على العهد أوفياء” تجسيداً لالتزام الحزب العميق بمبادئه ونهجه، وتأكيداً على استمرار النهج الذي سار عليه نصر الله والذي لا يزال يمثل حجر الزاوية في حضور الحزب على المستويين المحلي والإقليمي.
وتقوم اللجنة العليا المشرفة على الاحتفالات بتجهيز المكان لاستيعاب الحشود الكبيرة المتوقعة. تم تركيب ست شاشات كبيرة في زوايا مختلفة من الملعب لضمان بث الحدث من جميع الجهات. وتقدر اللجنة أن المدينة الرياضية التي تتسع لـ80 ألف شخص، ستستقبل عشرات الآلاف من المعزين، موزعين على مختلف المساحات المتاحة.
وعند حضور كافة المشاركين، يتم وضع نعشي الشهيدين في آلية خاصة تنقلهما عبر الملعب، وسط أجواء من الترقب والوداع الكبير.
وبعد انتهاء المراسم، سيتوجه المشيعون إلى قبر حسن نصر الله، الذي يقع على قطعة أرض بين الطريقين المؤديين إلى المطار. من جهة أخرى، سيتم دفن هاشم صفي الدين غداً الاثنين في مسقط رأسه بإحدى قرى جنوب لبنان.
-نصرالله.. دور قيادي مدى الحياة في المقاومة اللبنانية
ويمثل حسن نصر الله نقطة تحول في تاريخ حزب الله اللبناني، إذ كان أمينه العام في السنوات الأولى لتأسيسه، عقب اغتيال عباس الموسوي بهجوم لقوات الاحتلال الإسرائيلي.
واختارت قيادة الحزب نصرالله الموسوي خلفاً له، رغم أنه لم يكن يتجاوز حينها 32 عاماً. وبقي نصر الله في منصبه حتى اغتاله الاحتلال الإسرائيلي في 27 أيلول/سبتمبر الماضي بإلقاء 80 طناً من المتفجرات على منطقة سكنية في الضاحية الجنوبية.
خلال أكثر من ثلاثة عقود من قيادته لحزب الله، خاض الشهيد حسن نصر الله العديد من المواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما أكسبه شعبية كبيرة في الشارع العربي.
عناقيد الغضب
تشكل عملية عناقيد الغضب واحدة من أهم الأحداث التي ساهمت في ترسيخ دور حسن نصر الله كزعيم لحزب الله وإعادة رسم خطوط الصراع بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل. وقعت هذه العملية في إبريل/نيسان 1996، عندما شنت إسرائيل حملة عسكرية واسعة النطاق ضد جنوب لبنان بهدف كسر ظهر حزب الله وإضعاف نفوذه المتنامي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب آنذاك.
وفي ذلك الوقت، تولى حسن نصر الله منصب الأمين العام لحزب الله في عام 1992 بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في هجوم إسرائيلي. وباستلامه القيادة، اتبع الحزب استراتيجية أكثر فعالية للمقاومة المسلحة، مستخدماً تكتيكات جديدة لاستنزاف القوات الإسرائيلية التي احتلت جنوب لبنان منذ عام 1982.
وإزاء تصعيد عمليات حزب الله ضد القوة المحتلة، قررت إسرائيل في نيسان/أبريل 1996 شن عملية عسكرية واسعة النطاق أطلقت عليها اسم “عناقيد الغضب”، بحجة حرمان الحزب من القدرة على تنفيذ هجمات على المستوطنات في شمال إسرائيل.
وكان المشهد الأكثر شهرة في هذه العملية هو قصف ملجأ قانا، حيث هاجمت المدفعية الإسرائيلية مقراً للأمم المتحدة حيث لجأ مئات المدنيين اللبنانيين. قُتل أكثر من 100 مدني، معظمهم من النساء والأطفال. وأثارت المذبحة غضبا دوليا كبيرا وأدت إلى تحول في الرأي العام العالمي نحو الحرب. وتدخلت واشنطن ومارست ضغوطا لوقف العمليات العسكرية. وأدى ذلك إلى توقيع “اتفاق نيسان” بين حزب الله وإسرائيل بوساطة أميركية وفرنسية.
أثبت حسن نصر الله خلال الحرب أنه زعيم سياسي وعسكري قادر على إدارة الأزمة. وكانت خطاباته في هذه الفترة حادة جداً، وكان يؤكد مراراً وتكراراً أن الحزب لن يتراجع أمام الاعتداءات الإسرائيلية، بل سيواصل مسيرة المقاومة حتى تحرير الجنوب.
وتمكن نصرالله من استغلال العملية سياسياً وإعلامياً. وبدا الحزب وكأنه قوة لا يمكن تجاهلها، قادرة على فرض شروطها على قوات الاحتلال الإسرائيلي. وقد ساعد ذلك في وقت لاحق على تسريع الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في عام 2000.
– حرب يوليو
لقد شكلت حرب يوليو/تموز 2006 نقطة تحول في تاريخ الصراع بين حزب الله وإسرائيل، حيث أثبت أمين عام الحزب حسن نصر الله نفسه كزعيم ميداني وسياسي قادر على إدارة واحدة من أكثر الحروب تعقيداً في المنطقة. وعلى مدى 33 يوماً، قاد نصر الله المواجهة من خلال خطاباته المتلفزة، فرفع معنويات أنصاره، وعزز صورة الحزب كقوة لا يستهان بها.
ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي، نجح حزب الله في الصمود وشن هجمات نوعية، خاصة ضد السفينة الحربية الإسرائيلية “ساعر 5″، إلى جانب استخدام تكتيكات قتالية أربكت الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان. وأكد خطاب “بعد بعد حيفا” أن الحزب لا يزال يملك المبادرة، ما جعل نصر الله أيقونة للمقاومة ورمزاً للمواجهة مع إسرائيل في نظر أنصاره.
– دعم غزة. معارك نصرالله الاخيرة
خاض حسن نصر الله معاركه ومواجهاته الأخيرة مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة. وكان حسن نصر الله في مقدمة الداعمين للمقاومة الفلسطينية، مؤكداً أن المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي لم تعد تقتصر على جغرافية قطاع غزة، بل أصبحت جزءاً من معادلة إقليمية أوسع.
وفي اليوم الثاني من مظاهرات الأقصى، أعلن حزب الله اللبناني مشاركته في العمليات العسكرية ضد الاحتلال. وبدأ الأمر بهجمات صاروخية على ثلاثة مواقع عسكرية إسرائيلية في الأراضي اللبنانية التي ما زالت محتلة، وهي مزارع شبعا وجبال كفر شوبا. وأدى القصف إلى إصابة محطة الرادار ومحطة زبدين ومحطة رويسات العلم.