جنازات شكر وعقيل ومغنية.. كيف ودع حزب الله قياداته وكوادره؟

نُقل جثمان الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني حسن نصر الله إلى مثواه الأخير في ضريح خصص له على طريق مطار بيروت الدولي، بعد مراسم حداد كبيرة بمشاركة رسمية وشعبية.
وحضر مئات الآلاف من اللبنانيين ووفود من العراق وإيران مراسم العزاء في قلب مدينة كميل شمعون الرياضية، حيث انطلقت المراسم. وبعد أن أصبحت سعة المدينة أصغر من أن تستوعب المشيعين، اصطف الآلاف في صفوف حول المدينة وفي مختلف شوارع بيروت.
وأعادت جنازة نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين إلى الأذهان مشاهد وداع حزب الله لقادته البارزين، والتي شكلت نقطة تحول في عدد الكوادر الكبيرة التي خسرها الحزب بشكل غير مسبوق العام الماضي:
-فؤاد شكر.. جنازة مهيبة بإشراف صفي الدين
في 31 تموز/يوليو 2024، شيع حزب الله وحركة المقاومة جثمان القائد فؤاد علي شكر المعروف بـ”السيد محسن” في الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي استشهد في هجوم إسرائيلي على المنطقة.
وانطلق الموكب الكبير من مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس، مروراً بأوتوستراد السيد هادي نصرالله، وصولاً إلى روضة الحوراء زينب في الغبيري. وحضر الجنازة دبلوماسيون وبرلمانيون.
وكان الموكب بقيادة فرقة كشافة الإمام المهدي. ورفعوا الاعلام اللبنانية والفلسطينية وأعلام حزب الله ورددوا الهتافات الداعمة للمقاومة والمنددة بالعدوان الاسرائيلي.
وأقيمت مراسم تكريم للشهيد في مجمع سيد الشهداء، جرى خلالها حمل جثمانه ملفوفاً بعلم حزب الله على أكتاف مقاتلي المقاومة الإسلامية. وعزفت النشيد الوطني والحزبي، وأدت فرقة الموسيقى العسكرية للمقاومة البيعة للشهيد وكافة الشهداء، مؤكدة مواصلة الجهاد حتى النصر. واختتمت المراسم بالصلاة على جثمان الشهيد أمها رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين.
يشار إلى أن فؤاد شكر كان من أبرز القيادات العسكرية في حزب الله، ولعب دوراً محورياً في تطوير قوى المقاومة. وجاء استشهاده بعد هجوم إسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت، ما أثار إدانات واسعة ودعوات للرد على الهجوم.
ونعاه السيد حسن نصر الله في كلمة له وأشاد بمسيرة الشهيد فؤاد شكر. وأكد بشكل خاص دوره البارز في تأسيس وتنظيم أولى مجموعات المقاومة الإسلامية في لبنان، وكذلك مشاركته الفعالة في مقاومة الغزو الإسرائيلي عام 1982.
وأشار نصرالله إلى أن الشهيد كان من القادة الذين لم يغادروا ساحة الجهاد حتى آخر نفس، وكان له الدور الأساسي في التخطيط وتنفيذ العمليات النوعية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
إبراهيم عقيل.. معركة الحساب المفتوح
في 20 أيلول/سبتمبر 2024، شيع حزب الله وأنصاره في الضاحية الجنوبية لبيروت جثمان القائد إبراهيم عقيل المعروف بـ”الحاج عبد القادر”، الذي استشهد في غارة إسرائيلية على مبنى سكني في المنطقة. وانطلق موكب التشييع من مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس، وجاب شوارع الضاحية حتى وصل إلى روضة الحوراء زينب في الغبيري، حيث ووري جثمانه الثرى.
وفي كلمة له، أعلن نائب الأمين العام لحزب الله آنذاك الشيخ نعيم قاسم، أن الحزب دخل “مرحلة جديدة” من المواجهة مع إسرائيل تحت عنوان “معركة من أجل عمل غير مكتمل”. وأكد أن دماء الشهداء لم تذهب هدراً وقال إن الرد على هذا الاعتداء آت لا محالة.
يشار إلى أن إبراهيم عقيل ينتمي إلى الجيل الأول من مؤسسي حزب الله، وكان عضواً في مجلس الجهاد، وكان مسؤولاً عن تنسيق العمليات العسكرية داخل الحزب.
استشهد مع عدد من القيادات الأخرى نتيجة قصف إسرائيلي على مبنى سكني في الضاحية الجنوبية أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
-عماد مغنية..
في 14 فبراير/شباط 2008، ودع حزب الله القائد العسكري البارز عماد مغنية، المعروف باسم “الحاج رضوان”، في احتفال جماعي في مجمع سيد الشهداء في الرويس، الضاحية الجنوبية لبيروت. وحضر الجنازة وزير الخارجية الإيراني آنذاك منوشهر متكي نيابة عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، فضلاً عن ممثلين عن القيادة الإيرانية وشخصيات من السياسة والمجتمع اللبناني، وحشود من أنصار الحزب الذين قدموا من مختلف المناطق.
وفي أثناء الحفل قرأ الوزير متكي رسالة من الرئيس أحمدي نجاد وصف فيها استشهاد مغنية بأنه “وصمة عار أخرى على جبين الإسرائيليين المجرمين” وأكد أن هذه الجريمة لن تعوضهم عن هزيمتهم في حرب يوليو/تموز 2006 بل ستقصر حياتهم.
من جانبه، ألقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خطاباً متلفزاً هدد فيه إسرائيل بـ”حرب مفتوحة” لأنه اعتبر اغتيال مغنية خارج الأراضي اللبنانية تغييراً في قواعد الصراع. وقال: “إذا كنتم تريدون مثل هذه الحرب المفتوحة، فليسمع العالم أجمع، فلتكن هذه حرباً مفتوحة”.
منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين، ظل مغنية على قائمة المطلوبين لدى الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأميركية. وبدأت إسرائيل ملاحقته بعد اتهامه بالتورط في عمليات معقدة ضد الاحتلال. ومن أشهر هذه العمليات تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت عام 1983 واختطاف طائرة تابعة لشركة “تي دبليو إيه” عام 1985. إلا أن شخصية مغنية الغامضة وقدرته على التحرك دون أن يترك أثراً جعلته بمثابة “شبح” بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية، التي عجزت عن تحديد وجهه بدقة لسنوات طويلة.
مهندس عسكري لحزب الله
خلال تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قاد مغنية الجهاز العسكري لحزب الله ولعب دوراً محورياً في تطوير تكتيكات حرب العصابات التي جعلت من الحزب قوة هائلة ضد إسرائيل. وكان المهندس هنية العقل المدبر لعمليات مقاومة معقدة، وساهم في تطوير قدرات الحزب الصاروخية، وهو ما ظهر في حرب تموز 2006 التي استخدمت تكتيكات هجومية ألحقت بإسرائيل خسائر فادحة.