وسط حذر روسي من “فخ أمريكي”.. كييف وواشنطن على أعتاب إبرام صفقة المعادن الكبرى

تكتسب المفاوضات بين أوكرانيا والولايات المتحدة بشأن اتفاق لاستغلال المعادن النادرة التي تسيطر عليها كييف، والتي تعد ضرورية للصناعات التكنولوجية العالية والدفاعية، زخما. وتأتي هذه المحادثات في وقت حرج: إذ تسعى كييف إلى الحصول على الدعم الدولي في بناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية ــ وخاصة بعد رفع غطاء الدعم الأميركي الذي كانت تثق به للبلاد لسنوات بعد تولي دونالد ترامب منصبه. وفي الوقت نفسه، تسعى واشنطن إلى تقليص اعتمادها على الصين في هذا القطاع الحيوي.
جاري التفاوض على صفقة استراتيجية
بعد تولي ترامب منصبه، تطورت العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في اتجاه مختلف تمامًا عما كانت عليه في السنوات الثلاث السابقة، والتي دعمت خلالها إدارة جو بايدن كييف بسخاء. وسارع ترامب إلى إيقاف هذا الدعم فور توليه منصبه. ولكنه في المقابل لم يكن يريد قطع العلاقات بشكل كامل، بل كان يريد الحصول على شيء ما في مقابل المساعدات العسكرية. ولذلك قدمت الولايات المتحدة عرضا لأوكرانيا تضمن، من بين أمور أخرى، تحمل 50% من عائدات التجارة في المعادن النادرة، إذا استمرت في المقابل في دعم كييف ماليا وعسكريا. لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رفض العرض الأولي، مؤكدا أن الاتفاق يجب أن يتضمن ضمانات أمنية واضحة، خاصة فيما يتعلق بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. خطوة ترفضها الولايات المتحدة بشكل واضح، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
ورغم تعقيد الاتفاق والحرب الكلامية بين ترامب وزيلينسكي، تواصل واشنطن محاولة إبرام الاتفاق في أسرع وقت ممكن، على الرغم من التحفظات الأوكرانية الأولية. ويتجلى ذلك في أن المفاوضات دخلت مرحلتها النهائية، حيث أكدت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني أولغا ستيفانيشينا: “الاتفاق اكتمل تقريبا” و”من المتوقع أن يتم التوقيع عليه قريبا في واشنطن”.
ما هي أهمية المعادن النادرة؟
تعد المعادن النادرة مثل الليثيوم والنيوديميوم والجرافيت والتيتانيوم مكونات أساسية في الصناعات ذات التكنولوجيا العالية مثل المركبات الكهربائية والأجهزة الذكية وأنظمة الدفاع.
تتمتع أوكرانيا باحتياطيات ضخمة من هذه المعادن؛ إنها تحتوي على 22 من المعادن الـ 34 التي صنفها الاتحاد الأوروبي باعتبارها “حيوية للأمن الوطني والتنمية الاقتصادية”. وبحسب المعهد الجيولوجي الأوكراني، تمتلك كييف أحد أكبر احتياطيات الليثيوم في أوروبا. يعتبر هذا المعدن ضروريًا لإنتاج البطاريات. وهناك أيضاً الجرافيت، الذي يشكل نحو 20% من الاحتياطيات العالمية، والتيتانيوم، الذي شكل سبعة% من الإنتاج العالمي قبل الحرب.
لكن الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات مع روسيا أعاقت بشدة قدرة أوكرانيا على استغلال هذه الموارد: فبسبب التقدم الروسي في بعض المناطق الشرقية والجنوبية، فقدت البلاد السيطرة على حوالي 40% من رواسبها من المعادن النادرة. إن هذا الواقع الجيوسياسي يجعل أي محاولات مستقبلية لاستغلال هذه الموارد معقدة.
الدوافع الأميركية وراء الصفقة
وتنظر الولايات المتحدة إلى أوكرانيا باعتبارها فرصة استراتيجية لتلبية احتياجاتها من المعادن النادرة، خاصة في ظل التوترات مع الصين، التي تهيمن على المعالجة العالمية لهذه الموارد. وبحسب تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، تسيطر الصين على نحو 70% من مصانع معالجة المعادن النادرة في العالم. ويشكل هذا تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة، التي تعتمد على هذه المعادن في صناعاتها الدفاعية والتكنولوجية.
ومن ثم فإن إبرام اتفاق مع أوكرانيا سيكون خطوة نحو تقليص هذا الاعتماد وتأمين الإمدادات المستقلة ــ وخاصة في ظل الدعم الأميركي المستمر لكييف في حربها ضد روسيا. وذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أن واشنطن مستعدة لتقديم حزم دعم جديدة، بما في ذلك المساعدات العسكرية والاقتصادية، مقابل امتيازات طويلة الأمد في قطاع المعادن الأوكراني.
التحديات التي تواجه الاتفاق
ورغم التقدم الذي أحرزته المفاوضات، فإن هناك عقبات كبيرة قد تقف في طريق التوصل إلى اتفاق نهائي. وتشمل هذه العوائق ضمانات الأمن والدفاع. وتتوقع أوكرانيا التزامات واضحة فيما يتعلق بأمنها القومي بموجب الاتفاق – خاصة في ظل المخاوف المتزايدة بشأن الهجمات الروسية المستمرة.
ولكن الشروط المالية التي يريد الجانب الأوكراني فرضها لضمان ألا تكون الصفقة مجرد بيع سلعة، بل شراكة مستدامة تضمن الاستثمار في قطاع التعدين المحلي، تعمل على تعقيد هذا التوازن الجيوسياسي، حيث تنظر روسيا إلى الصفقة بعين الريبة. وذكرت وكالة بلومبرج نيوز، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن الكرملين “لا يفهم تماما استراتيجية البيت الأبيض”، وحذرت من وجود “فخاخ” وراء الصفقة من شأنها أن تزيد من تعقيد الوضع السياسي.
وسبق الاتفاق المرتقب مفاوضات مباشرة بين وفدين من روسيا والولايات المتحدة في الرياض للمرة الأولى منذ سنوات. تركزت المفاوضات بين الطرفين على أوكرانيا والحرب الدائرة هناك وسبل إنهائها. لكن كييف لم تعترف بشرعية هذه المفاوضات، ولم تشارك فيها. وهذا ما أكده الرئيس الأوكراني، قائلاً: “كييف لن تعترف بشرعية ونتائج المحادثات التي لم تشارك فيها”.