لماذا تصاعدت التوترات بين الجزائر وفرنسا؟

منذ 2 شهور
لماذا تصاعدت التوترات بين الجزائر وفرنسا؟

وتشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية حاليا تصعيدا غير مسبوق على خلفية عدة ملفات متشابكة، أبرزها إعادة النظر في اتفاقية الهجرة لسنة 1968، وسجن الكاتب الجزائري بوعلام صنصال، وموقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية. وأدت هذه القضايا إلى تبادل تصريحات حادة بين البلدين، وسط مخاوف من دخول العلاقات مرحلة جديدة من التوتر الدبلوماسي.

مراجعة اتفاقية الهجرة

في 26 فبراير 2025، أعلنت الحكومة الفرنسية عن نيتها مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة مع الجزائر سنة 1968، والتي تمنح الجزائريين امتيازات خاصة للإقامة والعمل في فرنسا. جاء هذا القرار عقب هجوم بالسكين في مدينة مولوز على يد مهاجر جزائري. وبحسب السلطات الفرنسية، فقد صدر ضده أمر بالطرد 19 مرة، لكن الجزائر رفضت قبوله.

أعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو أن حكومته ستمنح الجزائر ما بين شهر وستة أسابيع لمراجعة كافة الاتفاقيات الثنائية المتعلقة بالهجرة. وحذر من أن عدم التعاون قد يؤدي إلى إلغاء الاتفاقيات بشكل كامل، وأكد أن فرنسا لن تقبل باستمرار الوضع الحالي.

صورة 2

لكن الجزائر ردت على الفور. وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان لها أن “أي خرق لاتفاقية الهجرة لسنة 1968، التي تم تجريدها في البداية من كل محتواها وجوهرها، سيؤدي إلى اتخاذ الجزائر قرارا مماثلا بشأن اتفاقيات وبروتوكولات أخرى”. ورفضت الجزائر أيضا ما أسمته “خطاب الإمهال والتحذيرات والتهديدات”، وأكدت أنها سترد بنفس القدر والصرامة والسرعة على أي قيود على الحركة تفرضها فرنسا، دون استبعاد اللجوء إلى تدابير أخرى.

انتقدت الجزائر فرنسا بشدة، متهمة إياها باتخاذ “قرارات إدارية مفرطة وتعسفية تهدف إلى طرد المواطنين الجزائريين وحرمانهم من سبل الانتصاف القانونية التي يضمنها القانون الفرنسي”. وحذرت الجزائر من أن هذه الإجراءات “تخدم مصالح اليمين المتطرف الفرنسي الذي يسعى إلى أخذ العلاقات الجزائرية الفرنسية رهينة لأغراضه السياسية”.

صورة 3

سجن الكاتب بوعلام صنصال

وبالإضافة إلى أزمة الهجرة، أدى سجن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال إلى تعقيد العلاقات بين البلدين بشكل أكبر. أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قلقه إزاء تدهور صحة صنصال المحتجز في الجزائر منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ووصف ماكرون احتجازه بأنه “غير مقبول” لأنه يعتقد أن هذه الخطوة لا تساعد في تحسين العلاقات بين باريس والجزائر.

وفي تصعيد آخر، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن بلاده ستتخذ إجراءات لمنع المسؤولين الجزائريين من دخول الأراضي الفرنسية ردا على رفض الجزائر استقبال المرحلين وسجن الكاتب بوعلام صنصال. وقال بارو إن هذه الإجراءات “قابلة للتراجع” إذا تعاونت الجزائر في قضية الهجرة.

يُعرف صنصال بمواقفه الانتقادية للنظام الجزائري، وقد نشر سابقًا كتبًا ومقالات تنتقد الوضع السياسي في البلاد. ويُعتقد أن اعتقاله مرتبط بانتقاداته الأخيرة للحكومة الجزائرية، وخاصة فيما يتصل بحرية التعبير وحقوق الإنسان.

ردت الجزائر على الانتقادات الفرنسية ببيان مقتضب لوزارة العدل. وأكدت أنه سيتم اتخاذ “إجراءات قانونية” ضد صنصال بسبب “تصريحاته التي تعرض أمن الدولة للخطر”، لكنها لم تقدم مزيدا من التفاصيل. لكن منظمات حقوق الإنسان الدولية اعتبرت اعتقاله دليلا على تراجع الحريات في الجزائر، خاصة في ظل القيود المتزايدة على الصحافة والناشطين.

صورة 1

النزاع حول الصحراء الغربية

وبالإضافة إلى القضايا المذكورة أعلاه، تشكل قضية الصحراء الغربية عاملاً آخر يساهم في تصعيد التوترات بين البلدين. أعربت الجزائر عن استيائها من اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، حيث تدعم الجزائر سيادة جبهة البوليساريو. واعتبرت البلاد أن الموقف الفرنسي يمثل “تحيزا غير مقبول” ضد المغرب، مشيرة إلى أنه قد يؤثر على التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين.

من جهتها، أكدت فرنسا التزامها بتعزيز الاستقرار الإقليمي، لكنها أكدت في الوقت نفسه دعمها لجهود الأمم المتحدة لحل النزاع.

وتعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءا لا يتجزأ من أراضيها، فيما تطالب جبهة البوليساريو الانفصالية بالاستقلال، وهو ما أدى إلى صراع طويل الأمد بين الجانبين. تغطي الصحراء الغربية مساحة قدرها 252 ألف كيلومتر مربع على الساحل الشمالي الغربي لأفريقيا وهي منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة؛ وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة والبنك الدولي، يعيش في المنطقة 567 ألف شخص فقط.

تسيطر المغرب على 80 بالمائة من هذه الأراضي وتزعم أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها، ولكنها تقبل بمنح المنطقة الحكم الذاتي تحت سيادتها الكاملة. في المقابل، تصر جبهة البوليساريو، بدعم من الجزائر، على إجراء استفتاء لتقرير المصير على أساس اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991.


شارك