الحكومة تتوقع اتساع نمو اقتصاد مصر لـ4.5% .. هل توقعاتها متفائلة أم واقعية؟

أعربت الحكومة المصرية وبعض المؤسسات المالية الدولية عن رؤيتها المتفائلة لنمو الاقتصاد المصري في العام المالي المقبل 2025-2026. ويرجع السبب في ذلك إلى تحسن موارد النقد الأجنبي والتوقعات بتعافي إيرادات قناة السويس إلى مستواها الطبيعي في ظل الوضع الجيوسياسي المستقر تقريبا في المنطقة.
دكتور. توقعت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، ارتفاع معدل نمو الاقتصاد المصري إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي المقبل (2025-2026)، بعد أن وصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الحالي، رغم التحديات التي تفرضها سياسات التجارة الحمائية العالمية.
وتوقع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، في أحدث تقرير له، أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4,6% في العام المالي المقبل (يونيو 2026). وفي نهاية السنة المالية الحالية (يونيو/حزيران 2025)، من المتوقع أن يرتفع النمو إلى 3,6%.
ورغم توقعات البنك الأوروبي الأكثر تفاؤلا بشأن الحكومة، فإن توقعاته جاءت أقل بنحو 0.3% عن توقعاته السابقة البالغة 4.9%، نظرا للتطورات العالمية والإقليمية.
وفي العام المالي الماضي، انخفض معدل النمو الاقتصادي في مصر من 3.8% في العام السابق إلى 2.4%. وجاء ذلك نتيجة التأثير السلبي للتوترات الجيوسياسية في المنطقة، وانخفاض عائدات قناة السويس، وأزمة النقد الأجنبي.
لقد وجه الوضع الجيوسياسي في المنطقة ضربة قاسية لإيرادات قناة السويس. وانخفضت في العام الماضي بنحو 60 بالمئة. وجاء ذلك بسبب الاضطرابات التي شهدها البحر الأحمر على خلفية هجمات جماعة الحوثي على سفن الشحن الدولية. وأُجبروا على تغيير مسارهم نحو رأس الرجاء الصالح.
توقعات واقعية
قال الخبير المصرفي محمد عبد العال، إن التوقعات بتوسع نمو الاقتصاد المصري مؤشر واقعي في ظل تحسن الوضع الاقتصادي الحالي.
وأوضح أن الاقتصاد المصري سيتعافى بفضل تحسن احتياطيات النقد الأجنبي وانتعاش مبيعات الشركات الخاصة غير المنتجة للنفط وزيادة الاعتماد على البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة هذا العام لتحفيز النمو الاقتصادي بشكل أكبر.
وأظهر مؤشر ستاندرد آند بورز لمديري المشتريات تحسن أداء القطاع الخاص غير النفطي في مصر للشهر الثاني على التوالي في فبراير/شباط. وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين 50.1 نقطة مقارنة مع 50.7 نقطة في يناير/كانون الثاني، وذلك بفضل زيادة الإنتاج وعودة القدرة الشرائية.
وقال عبد العال إن معدل التضخم سينخفض خلال العام الجاري، وهو ما سيساهم في استقرار الأسعار وزيادة نمو إنتاج الشركات.
وتتزايد الرهانات على انخفاض معدل التضخم هذا العام بسبب سنة الأساس واستقرار سعر صرف الجنيه.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، انخفض معدل التضخم في مدن مصر للشهر الثالث على التوالي، ليصل إلى 24% في يناير/كانون الثاني الماضي، مقابل 24.1% في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
عوامل توسيع النمو
وترى رانيا المشاط أن الاقتصاد المصري أصبح أكثر استقرارا وقابلية للتنبؤ رغم التحديات العالمية التي تجلب الكثير من عدم اليقين.
وأوضح الوزير أن الدولة تمتلك قاعدة صناعية تشمل العديد من المنتجات الأساسية مثل الأسمنت والحديد والبلاستيك والأغذية المصنعة، وهو ما يدعم سلاسل القيمة في قطاع التصنيع.
وأضاف الوزير أن الدولة تواصل جهودها لضمان النمو الاقتصادي بقيادة القطاع الخاص من خلال تنفيذ إصلاحات هيكلية تعزز إمكانات الاقتصاد المصري وتخلق بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والدولية.
وتحاول الحكومة المصرية الحد من نفوذها على الاقتصاد من خلال بيع أسهمها في بعض الشركات ونقلها إلى القطاع الخاص. والهدف هو جذب العملات الأجنبية وتقليص الإنفاق الحكومي. ويبدو ذلك واضحاً من خلال برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم بقرض بقيمة 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي.
وتخطط مصر لطرح أسهمها لعشر شركات هذا العام، بما في ذلك الصافية والوطنية وبنك القاهرة، إما من خلال البيع للمستثمرين أو طرح في البورصة أو كليهما.
وعزا البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية توقعاته المتفائلة بشأن نمو الاقتصاد المصري إلى أن النمو اكتسب زخما في الربع الأول بفضل التوسع في قطاعات الاتصالات والفنادق والأغذية والنقل والتخزين (باستثناء قناة السويس) والخدمات المالية.
ويتوقع البنك أن يبدأ قطاع التصنيع في التعافي في العام المالي الحالي بعد تراجعه في العام الماضي، في حين سجل قطاع التعدين أكبر انخفاضات.
وبحسب البنك، تحسن الوضع الخارجي لمصر منذ اتفاقية رأس الحكمة، مما دفع وكالتي التصنيف الائتماني فيتش وستاندرد آند بورز جلوبال ماركت إنتليجنس إلى رفع التصنيف الائتماني لمصر في عام 2024.
أعطى مشروع رأس الحكمة دفعة جديدة للاقتصاد المصري بعد أن وقعت مصر أكبر اتفاقية استثمارية مع دولة الإمارات العربية المتحدة بقيمة 35 مليار دولار لتطوير المشروع الذي يمتد على مساحة 170 مليون متر مربع على البحر المتوسط.
حصلت مصر على 24 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة في النصف الأول من العام الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، تم استبدال 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية المستحقة لمصر باستثمارات.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.1% في السنة المالية المقبلة 2025-2026.
ويتوقع الصندوق ارتفاع إيرادات قناة السويس وسط تزايد فرص تهدئة الوضع الجيوسياسي في المنطقة.
رئيس الوزراء الدكتور وكان مصطفى مدبولي صرح في وقت سابق أن إيرادات قناة السويس ستعود تدريجيا إلى مستوياتها الطبيعية بداية من أبريل أو مايو من العام المقبل مع استقرار الأوضاع في المنطقة.
وأضاف أن مسؤولين من هيئة قناة السويس بدأوا محادثات مع شركات شحن عالمية لاستئناف مرور سفنهم عبر قناة السويس.