المفتي: بر الوالدين من أعظم القيم الأخلاقية.. والعاق لوالديه يحجز لنفسه مقعدا في النار

دكتور. أكد سماحة الشيخ نذير عياد مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، أن بر الوالدين من أسمى القيم الأخلاقية التي نصت عليها الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن العلاقة بين الأبناء والوالدين يجب أن تقوم على الاحترام والرحمة، مما يسهم في تكوين الشخصية السليمة والإيجابية.
وأشار خلال لقائه اليومي في رمضان مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج «اسأل المفتي» على فضائية صدى البلد، إلى أن الفجوة تتسع في كثير من الأسر بين الأبوين وأبنائهم، مما يؤدي إلى سلوكيات غريبة تتعارض مع الفطرة السليمة والقيم الإسلامية. وقد تكون هذه الفجوة أيضًا سببًا في زيادة حالات التباعد وانعدام الرحمة بين أفراد الأسرة.
وأوضح مفتي الجمهورية أن القرآن الكريم جعل الإحسان إلى الوالدين في المرتبة الثانية بعد الإيمان بالله، حيث قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء: 23]، مشيرا إلى أن هذا الحكم يدل على مدى عظم هذه القيمة في ميزان الشريعة الإسلامية.
وأشار أيضاً إلى أن الله تعالى نهى عن أدنى قدر من الأذى للوالدين، فقال: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً} [الإسراء: 23]. وأوضح أن الضرر لا يقتصر على الجوانب المادية، بل يمتد إلى الضرر المعنوي الناجم عن الكلمات الجارحة أو الأفعال القاسية.
وأشار إلى أن الإسلام لا يقتصر على الدعوة إلى بر الوالدين، بل يؤكد على ذلك حتى بين أتباع الديانات المختلفة، واستشهد بحديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أمي جاءتني وهي مشركة أفأصلها؟). قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، صِل أمك».
وقال: إذا كان اختلاف العقيدة لا يمنع من البر بالوالدين، فكيف بنا عندما نتحدث عن وحدة الأسرة المسلمة؟! “يجب أن يكون اللطف والاحترام متبادلين في جميع الظروف.”
دكتور. أعرب نذير عياد عن قلقه إزاء بعض السلوكيات السلبية المنتشرة في المجتمع مثل عدم الطاعة وكسر الروابط العائلية. واستنكر انتشار أخبار عن اعتداء الأبناء على آبائهم أو إهمالهم، معتبرا ذلك أزمة أخلاقية تهدد وحدة المجتمع.
وحذر مفتي الجمهورية من عقوق الوالدين، وأوضح أن من عق والديه فهو محروم من الجنة، مستشهداً بالحديث النبوي الشريف: “صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ثم قال: آمين، آمين، آمين”. ولما نزل عن المنبر سأله الصحابة عن ذلك، فقال: أتاني جبريل فقال: يا محمد، من أدرك والديه أو أحدهما فلم يحسن إليهما فليتبوأ مقعده من النار. “قل آمين.” فقلت: آمين.
وأشار إلى أن هذا الحديث فيه بيان تام بأن من عق والديه فإنه يعمل على تأمين مقعده من النار، وأوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المرة الثانية: (من أدرك رمضان فلم يغفر له فليتبوأ مقعده من النار). قُل آمين، فقلت آمين.
وأوضح أن هذه الأحاديث تدل على أن الحسنات تضاعف، كما تضاعف السيئات، وأشار إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في المناسبة الثالثة: (أتاني جبريل فقال: من ذكرك فلم يصل عليك فليتبوأ مقعده من النار). قُل آمين. فقلت: آمين.
وأضاف: «لا ينبغي لنا أن نبرر العصيان تحت أي ظرف من الظروف، حتى لو ظلم الآباء أبناءهم». والهداية الإلهية واضحة في قوله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وعاملهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15].
وفي ختام كلمته أكد مفتي الجمهورية على أهمية إحياء قيم البر والخير بين أفراد الأسرة. ودعا الشباب إلى مراجعة أنفسهم والعزم على طاعة الوالدين، خاصة خلال شهر رمضان المبارك الذي يشكل فرصة عظيمة لتطهير النفس وتقوية الروابط الأسرية. واختتم كلمته بالتأكيد على أن العقوبة من نفس الفعل، واستشهد بقول الله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ) [النور: 11]. [الرحمن: 60]، وحذر من عقوق الوالدين، وأن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.
وأجاب أيضًا على عدد من أسئلة المشاهدين، ومنها سؤال عن فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأكد سماحة المفتي أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد تذكير مستحب بل هي “ضرورة حيوية” لما فيها من الفرج والفرح والراحة والطمأنينة.
وأضاف أن الله تعالى أمر عباده بالصلاة على النبي، نقلا عن قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ). يا أيها الذين آمنوا اسألوا من رحمته واسألوا السلام. [الأحزاب: 56]
وأشار إلى أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من أسباب قضاء الحوائج، وذكر قصصاً عن أناس صالحين لجأوا إليها في أوقات الحاجة فكانت سبباً في تفريج الهموم وإزالة الكربات.
وأكد أن من صلى على النبي مرة يصلي عليه عشرا، ومن صلى عليه عشرا يصلي عليه مائة مرة، ومن صلى عليه ألف مرة يصلي عليه مائة مرة، ومن استمر في الصلاة عليه يعتق الله جسده من النار.
وفي سياق مماثل، أكد سماحته أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست زينة بالفضائل فحسب، بل هي تطهير للنفس من الرذائل والمنكرات، كما أنها تجعل المسلم يقتدي بالنبي الكريم في أخلاقه وسلوكه. وهذا يعزز الارتباط بسيرته العطرة واتباع قيادته الصالحة.
وعندما سئل سماحة المفتي كيف يحب المسلم النبي صلى الله عليه وسلم، أوضح أن المحبة الحقيقية تكون باتباعه والاقتداء به، مستشهداً بقول الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]. وأكد أن المحبة الحقيقية تتجلى في التحلي بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم والالتزام بسنته واحترام الأهل والصحابة الكرام.