ماذا بعد رفض ترامب الخطة العربية لإعمار غزة؟

وفي القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في القاهرة في الرابع من مارس/آذار، اعتمد القادة العرب خطة مصرية لإعادة إعمار قطاع غزة. وتبلغ تكلفة هذا الأمر 53 مليار دولار. والهدف هو تمكين 2.1 مليون فلسطيني من البقاء في وطنهم.
طرحت القاهرة خطتها لتقويض خطة أميركية لنقل قطاع غزة والسيطرة عليه من أجل بناء مشروع استثماري سياحي أطلق عليه ترامب اسم “ريفييرا الشرق الأوسط”، وهو ما يمثل تراجعا واضحا عن النهج التقليدي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط القائمة على حل الدولتين.
لكن الخطة العربية قوبلت برفض قاطع في إسرائيل. وفي واشنطن، وصفت الخطة بأنها غير واقعية، وأكد البيت الأبيض أن إدارة ترامب لا تزال ملتزمة برؤيتها لإعادة بناء قطاع غزة بدون حماس.
لكن السلطة الفلسطينية وحماس رحبتا بالخطة العربية التي تنص على وضع قطاع غزة مؤقتا تحت سيطرة لجنة من الخبراء المستقلين ونشر قوات حفظ سلام دولية هناك.
هل تصمد هذه الخطة أمام مقترح ترامب؟ ما هي الخرائط المطبوعة التي يملكها العرب؟
“خطة ترامب غير قابلة للتنفيذ”
ويرى المحلل السياسي ووزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة أن الخطة العربية قابلة للتنفيذ رغم العقبات التي تواجهها.
وأضاف في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): “إن المقترح المتداول لطرد الفلسطينيين من غزة له تداعيات كارثية على القضية الفلسطينية وأمن المنطقة”. وأكد أن هذا الخيار يهدد الأمن الوطني لكل من الأردن ومصر ويمثل خللاً في التوازن الإقليمي.
وأوضح المعايطة أن ترامب رغم أنه يطرح رؤى ومقترحات إلا أنه غير قادر على تنفيذها. وأشار إلى أن المبادرة العربية وأي خطة مستقبلية ستكون خاضعة لعوامل التفاوض والشروط الأميركية والإسرائيلية.
وتحدث ترامب عن تقديم مقترحات وأفكار دون فرض رؤية أحادية الجانب، وهو ما يفتح الباب أمام المقترح العربي. إذا نجحت جهود التفاوض وتم التوصل إلى اتفاقات بشأن القضايا المتنازع عليها، فقد نتمكن من الاقتراب من حل إيجابي. وحتى في أسوأ السيناريوهات، لن يتم تنفيذ خطة ترامب، ولن يتم تنفيذ المبادرة العربية. وأضاف أن “هذا يعني أن غزة ستبقى على حالها الحالية، مع تدهور الظروف المعيشية وانقطاع جهود إعادة الإعمار وخطر اندلاع حرب جديدة”.
وأخيراً، أكد السياسي الأردني أن رؤية ترامب “ليست أكثر من مشروع غير قابل للتنفيذ”، مشيراً إلى أن إسرائيل رفضت الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تشمل أيضاً الجوانب السياسية والأمنية. وتتناول الخطة العربية هذه القضايا من خلال تقديم إجابات واضحة حول من سيحكم قطاع غزة ومن سيمول إعادة الإعمار.
ما هو مصير حماس؟
وبينما يحاول القادة العرب إقناع ترامب بخطتهم، تبرز أسئلة جوهرية تنتظر إجابة حاسمة. أولا وقبل كل شيء: ما هو مصير حماس؟ من سيتولى إدارة القطاع؟
وقد أجابت المبادرة المصرية على بعض هذه التساؤلات من خلال النص على تشكيل لجنة مستقلة غير فصائلية من التكنوقراط لإدارة شؤون القطاع لفترة انتقالية مدتها ستة أشهر والتحضير لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع.
لكن محاولات الحكومة الإسرائيلية استعادة السيطرة على غزة تواجه عقبة كبرى: مستقبل حماس، التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2007.
ورغم أن الاقتراح المصري الذي تبنته جامعة الدول العربية لم يشر صراحة إلى إمكانية نزع سلاح حماس، فإنه أكد مع ذلك استبعاد الحركة من الإشراف على إعادة الإعمار ومن أي إدارة لقطاع غزة. وقبلت حماس بهذا المقترح في بيان لها عقب القمة العربية في القاهرة، لكنها رفضت بشكل قاطع مناقشة قضية نزع سلاحها.
وفي هذا السياق يرى الباحث والسياسي المصري عماد جاد أن المبادرة العربية، على الرغم من إيجابياتها، إلا أنها تفتقر إلى حل جذري لمعضلة الوجود العسكري وسلاح حماس في قطاع غزة.
وأضاف جاد لبي بي سي أن “الدول العربية تجنبت التطرق إلى هذه القضية رسميا، في حين أوضحت حماس أن سلاحها خط أحمر وأنها لن تسلمه أو تغادر غزة”. “إن هذه القضية تظل أكبر نقاط الضعف في المبادرة العربية، ولكن إذا استطاعت الدول العربية إقناع حماس بتسليم سلاحها وإرسال قياداتها العسكرية العليا إلى مصر أو قطر أو تركيا، فإن هذا من شأنه أن يعزز موقف الوفود العربية في المفاوضات مع الرئيس الأميركي ويفتح الباب أمام حل وسط”.
مشكلة معقدة
هناك حالة من «الخلاف» في الدول العربية حول كيفية التعامل مع وجود حركة حماس في قطاع غزة.
وبينما تتضمن الخطة المصرية وقف إطلاق نار طويل الأمد يكون بمثابة إطار تفاوضي لنزع السلاح، تقترح المملكة العربية السعودية نهجا تدريجيا، بحسب مصادر عربية وغربية. الخطوة الأولى هي انسحاب قيادة حماس من قطاع غزة. وسيتم بعد ذلك نزع سلاح الحركة تدريجيا بينما تتقدم المفاوضات نحو حل دائم للقضية الفلسطينية.
لكن بحسب صحيفة وول ستريت جورنال فإن الإمارات العربية المتحدة تتبنى موقفا أكثر صرامة وترفض أي مقترح لإبقاء الحركة في قطاع غزة، وهو ما تعتبره تهديدا وجوديا. وذكرت التقارير أن أبو ظبي طالبت بنزع سلاح حماس بشكل فوري وكامل، وربطت ذلك بتقديم المساعدات والاستثمار لإعادة الإعمار.
ويبدو أن تمويل إعادة إعمار غزة سيظل يعتمد على الدعم الدولي، وخاصة من دول الخليج الغنية بالنفط، التي تحتاج إلى ضمانات سياسية وأمنية واضحة لتقرير مصير أسلحة حماس.
ويرى الخبراء أن قضية سلاح حماس معقدة وتحتاج إلى رؤية شاملة في إطار حل أوسع للصراع، لأنها لا يمكن فصلها عن الأفق السياسي لحل الدولتين.
وفي هذا السياق يشير بشير عبد الفتاح، الأكاديمي والباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى أن المواقف العربية المختلفة تجاه حماس وسلاحها لن تجلب الكثير من النفع للولايات المتحدة وإسرائيل طالما لم يكن هناك سلام حقيقي ولا أفق واضح لقيام الدولة الفلسطينية. ويرى أن “هذا الواقع يعطي حماس المبرر لمواصلة تسلحها حتى التوصل إلى حل عادل يسمح لها بتسليم سلاحها”.
“بدون حماس لن يكون هناك سلام في غزة”
من ناحية أخرى، يقول لنا الخبير العسكري الإسرائيلي موشيه إيلاد إن إسرائيل ترحب بأي خطة تهدف إلى حل الصراع وتحقيق السلام بين إسرائيل والدول العربية.
وأكد استعداد إسرائيل لبحث أي خطة تضمن أمن إسرائيل ومواطنيها، خاصة على حدود غزة. وأضاف: “الهدف الرئيسي لإسرائيل ليس الطرد، بل حل مشكلة السلاح في غزة ووقف القتال”.
وأكد إيلاد في حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن عملية إعادة الإعمار ستكون بلا جدوى إذا لم تتحقق هذه الأهداف. وأضاف أنه رغم مظاهر التضامن العربي فإن المساهمة المالية من الدول العربية ظلت حتى الآن محدودة.
ويرى إيلاد أن الخطة المصرية في شكلها الحالي تفتقر إلى الواقعية، ويؤكد أن أي تغيير يؤدي إلى إنهاء النموذج الجهادي سيحظى بدعم إسرائيل. وأكد أيضاً أن جهود إعادة الإعمار يجب أن تتضمن برامج تأهيل تعليمية، “على غرار ما اقترحه ممثلو الإمارات خلال قمة القاهرة”، حسب قوله.
ووصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية الخطة العربية بأنها “تتخللها آراء عفا عليها الزمن وتتجاهل تأثير هجمات حماس في السابع من أكتوبر”. ويبدو أن ذلك كان يشير إلى ذكر حل الدولتين، الذي ترفضه الحكومة الإسرائيلية الحالية. كما رفضوا الاعتماد على السلطة الفلسطينية.
ما هي المطبوعات العربية؟
ويعتقد كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش، أن الدول العربية لديها نفوذ فعال لمواجهة خطط إدارة ترامب.
ويقول إن “الطرد القسري لمليوني فلسطيني من غزة يشكل جريمة حرب بموجب المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة وقد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية”.
كما أكد على أهمية تمسك السعودية بمعارضتها للتطبيع دون وجود ضمانات واضحة لقيام الدولة الفلسطينية. وهذا هو الشرط الأساسي الذي تضعه كل من الرياض وأبو ظبي مقابل أي دعم محتمل لإعادة إعمار قطاع غزة. وهذا يمنح البلدين قدرة قوية على إجهاض هذه الخطط.
وأضاف روث أنه إذا نفذت إدارة ترامب خطتها فإن “الخطر لن يقتصر على غزة بل سيمتد إلى الضفة الغربية من خلال تنفيذ عمليات ترحيل مماثلة بما يخدم أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يريد إفراغ البلاد من الفلسطينيين”. ومن الضروري بالتالي أن ترفض الدول العربية اتخاذ أي خطوات من شأنها تسهيل إقرار هذه الخطة.
من جانبه، يؤكد الأكاديمي بشير عبد الفتاح، على ضرورة التمسك بالخطة المصرية ودعمها كحل أولوي في مواجهة التعنت الأميركي والإسرائيلي، معتقداً أن الدول العربية يجب أن تتمسك بموقفها.
ويفكر العالم أيضًا في التوجه إلى الشركاء الأوروبيين والمجتمع الدولي. ويحذر: “المشاركة في خطة ترامب قد تؤدي إلى تصعيد خطير وزيادة الإحباط الفلسطيني”. وهذا من شأنه أن يمنح الجماعات المسلحة أو إيران الفرصة لزيادة نفوذها من خلال تجنيد المزيد من العملاء، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة تنظيم الوضع الإقليمي وتوازنات جديدة”.
ويرى عبد الفتاح أيضا أن الدول العربية يمكن أن ترد بوقف التطبيع وتجميد العلاقات مع إسرائيل، إضافة إلى تعليق مشاريع التعاون الاقتصادي أو “السلام الاقتصادي” معها.
وأشارت مصر في تصريحات لوزارة خارجيتها إلى أن أي تهجير قسري لسكان غزة من شأنه أن يؤدي إلى فشل الاستقرار في الشرق الأوسط وربما يعرض السلام مع إسرائيل للخطر. وأشارت البلاد إلى أن سلوك إسرائيل قد يضر باتفاقية السلام المبرمة برعاية أميركية عام 1979.