المفتي: التصديق بالأنبياء والمعجزات إقرارٌ عقلي مدعوم بحجج الوحي

منذ 6 ساعات
المفتي: التصديق بالأنبياء والمعجزات إقرارٌ عقلي مدعوم بحجج الوحي

دكتور. أكد سماحة الشيخ نذير عياد مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لهيئات ومؤسسات الإفتاء في العالم، في كلمته الرمضانية على قناتي دي إم سي والناس الفضائيتين، أن العلاقة بين العقل والغيب هي علاقة تأمل وتكامل، وليست علاقة صراع وشقاق. وأشار إلى أن كثيراً من الشبهات التي تثار حول وجود تعارض بين العقل والنقل، أو الادعاء بعجز العقل عن الأمور الغيبية، لا تصمد أمام التأمل الدقيق في النصوص الشرعية ومقاصد الشريعة.

وأوضح أن العقل لا يخرج عن النص بل يتفاعل معه ويتأمل معناه ويستدل به على الحق، مستشهداً بقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِّلْأُولِي الْأَلْبَابِ} وقوله تعالى: {وَلَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} وقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.

وأوضح أن هذه الآيات تدل بوضوح على أن الوحي يخاطب العقل ويدعوه إلى التأمل في أدلة التوحيد والكون والنفس والآفاق. وهذا يدل على التقاء نور العقل وهدى الوحي.

وأوضح مفتي الجمهورية أن العقل لا يخلق الغيب بنفسه، بل يتلقاه من مصدره الإلهي ويستخدم بصيرته في فهمه واستنباط مقاصده، حتى يؤمن بما ورد فيه، ويدرك أدلة صدقه، ويدرك الحكمة من ورائه. وأشار سماحته إلى أن مسألة وجود الله تعالى مثلاً مفهومة بالعقل والنقل، وأن القرآن يثبت الوجود الإلهي بطريقة عقلية فطرية، كما في قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ سِقْفاً} [البقرة: 22].

وأضاف أن مثل هذه النصوص تحفز العقل على التفكير والتأمل وتؤكد وحدة المصدر بين الكون والقرآن.

وأكد أيضاً أن العقل يدرك أيضاً صفات الله من خلال آثارها في الكون، كالحكمة والعلم والقدرة، ونقل قول الله تعالى: {لا تُدْرِكُ الشَّمْسُ الْقَمَرَ، وَلاَ اللَّيْلُ يَسْبِقُ النَّهَارَ. {إنهم كلهم يسبحون، كل واحد في فلك}. وكان يعتقد أن كل هذا يعزز دور العقل في إثبات الصفات الإلهية وفهم آثارها.

وفيما يتعلق بالنبوءات والوحي، أكد المفتي أن العقل يعترف بإمكانية الوحي، ويعتقد أن الله يختار من بين عباده من يقوم بتبليغ رسالاته، ويدعمه بالمعجزات التي تثبت صدقها. وأوضح أن المعجزة تخاطب العقل وتقدم الدليل ضده، مما يجعل الإيمان بالنبوءات نتيجة للعقل والإيمان.

أما بالنسبة للجوانب السمعية المتعلقة بالآخرة كالملائكة والجنة والنار، فقد أوضح أن العقل ليس مستقلاً في إدراكه لهذه الجوانب، بل لا ينكرها إذا كشفت له بالوحي، بل يؤمن بها ويفسرها على ضوء النصوص، ويرى فيها دليلاً على القدرة الإلهية المطلقة.

وفي سياق الحديث عن فقه المقاصد أوضح مفتي الجمهورية أن العقل يدرك حكمة الخلق والثواب والعقاب في ضوء مبدأ العدل الإلهي، واستشهد بقوله تعالى: (أَفحسبتم أَنَّما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ) [النور: 11]. وأكد أن الكون كله قائم على الحكمة، وأن العقل مستعد لفهم هذه الأهداف بتوجيه الوحي.

وأكد أن الادعاء بأن العقل والتقاليد تناقض بعضها بعضا ادعاء خاطئ. بل إن التكامل بينهما هو الذي ينتج الاعتقاد الصحيح، ويصقل التفكير، ويهدي السلوك.

وقال المفتي في ختام كلمته: لا يجب علينا أن نفضل العقل على الوحي، ولا أن نفضل الوحي على العقل. بل يجب علينا أن نقيم علاقة جيدة بينهما، وأن نفهم النص في ضوء العقل، وأن نطبق العقل في سياق النص. “وبهذه الطريقة تكتمل صورة القيادة وتتحقق رسالة التلمذة.”

وتابع: «المشكلة ليست في النصوص، بل في طريقة تعاملنا معها». نقرأ كثيرًا ونكرر كثيرًا دون أن نتوقف للتفكير والتأمل، وكأننا فقدنا القدرة على التوقف للبحث عن المعنى. لقد حان الوقت بالنسبة لنا لاستعادة سلطة العقل والقدرة على التأمل من أجل فهم الدين كما أراده الله، وليس كما تم تجميده بالعادات أو تقييده بالأشكال.


شارك