مفتي الجمهورية: وثيقة المدينة المنورة كانت سبقا حضاريا في تنظيم العلاقات الإنسانية قبل المواثيق الحديثة

منذ 4 ساعات
مفتي الجمهورية: وثيقة المدينة المنورة كانت سبقا حضاريا في تنظيم العلاقات الإنسانية قبل المواثيق الحديثة

الأستاذ الدكتور أكد سماحة الشيخ نذير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور ومؤسسات الإفتاء في العالم، أن النقاش حول حقوق الجوار والمواطنة يجب أن يتم من منظور شامل يتجاوز الحدود الضيقة. وأوضح أن مفهوم المواطنة له معانٍ بعيدة المدى، وهو ما يتجسد بوضوح في النموذج الذي أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم في مجتمع المدينة المنورة. هناك أنشأ إطارًا شاملًا يهدف إلى رفاهية البشرية جمعاء. يضمن الإسلام الحقوق المشتركة لجميع الناس، بغض النظر عن الاختلافات في الدين أو المعتقد.

وأضاف في حواره اليومي في رمضان مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج «اسأل المفتي» على قناة صدى البلد، أن الوضع الراهن الذي نعيشه في ظل حروب وصراعات مدمرة لا تحترم كرامة الإنسان ولا حرمة الدين، يتطلب منا العودة إلى مبادئ الأخوة الإنسانية التي أكد عليها الإسلام. وأشار إلى أن الله تعالى عبر عن هذا المعنى في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلق لكم من نفس واحدة ومن نفسها زوجها ومنهما ذكران كثير وإناث). واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيباً

وأوضح أن مبدأ المواطنة يرتكز على مجموعة من القيم والمبادئ التي تمثل قيماً إنسانية مشتركة لا تختلف باختلاف الدين أو المعتقد، بل ترتكز على كل الحقوق الأساسية المكفولة، مثل الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر وحماية الحقوق. وذكر مثالاً على ذلك وثيقة المدينة المنورة التي وقعها النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة. ولم يقتصر هذا الميثاق على تنظيم العلاقات بين المسلمين فحسب، بل امتد إلى جميع سكان المدينة وحدد الحقوق والواجبات التي تضمن التعايش السلمي للجميع. وهذا يؤكد أن الإسلام كان رائداً في إرساء الحقوق والحريات قبل أن تدرج في المواثيق الحديثة.

وأشار إلى أن هذه المبادئ ظهرت جلية في خطبة الوداع التي خاطب فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس كافة فقال: (أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا). يا رب هل أبلغتك؟ يا الله كن شاهدا. والتفسير بأن اختيار النبي لهذا الخطاب الشامل الموجه إلى البشرية جمعاء وليس للمسلمين فقط، يدل على أن قيم الإسلام لا تنطبق على أتباعه فحسب، بل تمتد إلى البشرية جمعاء.

وفي حديثه عن مقاصد الشريعة الإسلامية أشار إلى أن الشريعة الإسلامية تسعى إلى حماية الحاجات الخمس الأساسية: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والرفاهية، باعتبارها ركائز أساسية لصيانة المجتمع وحفظه. وأكد أن الصحابة الكرام أدركوا أهمية الحفاظ على مبدأ الدولة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسارعوا إلى انتخاب من يتولى شؤون الناس حتى تبقى المصلحة العامة محفوظة. ويتجلى ذلك بوضوح في سلوكهم السياسي الذي أكد على أهمية القيادة المسؤولة التي تضمن الأمن والاستقرار وتحمي الحقوق.

وتابع: “إن الإسلام جعل التقوى والعمل الصالح معياراً للتفرقة بين الناس، لا العرق أو اللون أو النسب”، مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم من آدم، وآدم من تراب”. “لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى” وأكد أن هذا المبدأ يعزز مفهوم الوحدة الإنسانية ويدعو إلى التفاهم والتعاون بين الشعوب، كما جاء في قوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. إن أكرمكم أتقاكم عند الله.

وأكد المفتي أن العالم يواجه اليوم تحديات كبيرة. سيطرت المصالح الضيقة على المبادئ، ومزقت الحروب الدول. ويتطلب هذا عملاً عالمياً لاستعادة التوازن والحفاظ على القيم الأخلاقية والإنسانية.

وأشار إلى جهود الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف. أحمد الطيب شيخ الأزهر، بالتعاون مع الفاتيكان ممثلاً بقداسة البابا فرنسيس، من خلال وثيقة الأخوة الإنسانية، التي تهدف إلى تعزيز قيم الحوار والتعايش، ونبذ العنف والتطرف، والعمل على نشر السلام العادل بين الأمم.

وأكد أن هذه المبادرات المشتركة بين المؤسسات الدينية الكبرى تمثل خطوة مهمة في جلب العقل إلى العالم ومواجهة المفاهيم الخاطئة التي تشوه صورة الأديان. وأشار إلى أن الدين يجب أن يكون حاضرا بقوة في معالجة القضايا الراهنة، خاصة في ظل التوجه الحالي لتقديم المصالح على المبادئ وممارسة القوة على الضعفاء. وهذا يتطلب تضافر الجهود لترسيخ قيم العدل والمساواة والسلام.

وفي نهاية الحلقة أجاب المفتي على أسئلة المشاهدين، وأكد أنه لا حرج في ذكر الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الأذان أو بين صلاة التراويح، لأن ذلك جائز في العموم. وإن ذكر النبي والصلاة عليه من الأمور التي تهيئ النفس للطاعة والعبادة.

وأوضح أيضاً أن المعاصي في رمضان لا تفسد الصوم إلا إذا أفسدت الصوم، كالأكل والشرب والجماع عمداً. وأشار إلى أن هناك أفعالاً قد تؤدي إلى نقصان الأجر، مثل القذف، والنميمة، والعيب على الآخرين، ومشاهدة المحرمات. كل هذه الأمور من الأمور التي يجب على المسلم تجنبها ليصل إلى أعلى مراتب الصيام.

وأما حكم بناء المسجد من أموال نذور الفقراء، فقد بين أنه لا يجوز تغيير الغرض من نذور الفقراء من أجل بناء المسجد إلا إذا قصد الواهب ذلك ابتداء وعين النذر على ذلك. ولكن إذا كان المال مخصصاً للفقراء فلا يجوز استعماله في غير ذلك.

وفيما يتعلق بشراء السلع التي تعتبر مسروقة، أشار إلى أن المبادئ الأساسية للمعاملات هي الإباحة والثقة والأمان. تعتبر عملية الشراء آمنة طالما لا يوجد دليل على سرقة البضاعة. ومع ذلك، إذا كان المشتري مقتنعاً بأن البضاعة مسروقة، فإنه يجب عليه الامتناع عن ذلك.

وعن عدم التركيز أثناء الصلاة أكد أن ذلك أمر قد يحصل للإنسان ويمكن علاجه بتغيير المكان أو تجديد الوضوء أو متابعة قراءة الإمام. علاوة على ذلك، يجب أن ندرك أن الصلاة هي وسيلة للتقدم الروحي.

وعن إجبار الأطفال على الصلاة، أوضح المفتي أنه لا بد من الجمع بين الترغيب والترهيب، وذلك بالرفق بهم وتعويدهم على الصلاة بالمكافآت والتشجيع، وفي الوقت نفسه طلب العون على سلامتهم بالصلاة.

وأما قول “اللهم اجعل مثواه الجنة” في الدعاء للميت فأكد أنه لا بأس بها. لأن القصد هو الدعاء لصعود الميت، وهو طلب لطف لا شك فيه.


شارك