ترشيح إمام أوغلو لمنافسة إردوغان.. هل تتصاعد الأزمة في تركيا؟

منذ 1 شهر
ترشيح إمام أوغلو لمنافسة إردوغان.. هل تتصاعد الأزمة في تركيا؟

لقد مر ما يقرب من أسبوع، ولا تزال تركيا تشهد احتجاجات واسعة النطاق. ولم تتراجع شدتها منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بتهم عدة، بل ازدادت. وبعد ذلك تم اعتقاله وسجنه في سجن مرمريس. ولم تتراجع حدة المظاهرات نتيجة لذلك، بل تصاعدت إلى درجة أن حزب الشعب الجمهوري أعلن أن إمام أوغلو سيترشح في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة.

وفي تركيا، تزايدت الاحتجاجات في أعقاب اعتقال إمام أوغلو، ما أدى إلى تصعيد الأزمة، خاصة في ضوء الاتهامات الرسمية الموجهة إليه من قبل السلطات التركية. وتضمنت هذه الاتهامات شكوكاً بالفساد المالي، والتي لم يتم إثباتها بعد حيث أن القضية لا تزال قيد التحقيق. وتتعلق التهمة الثانية بالتعاون مع جماعة إرهابية، والتي تم توجيهها قبل وقت قصير من إعلان داود أوغلو رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2028.

صورة 1

هل تتزايد التوترات؟

وفي هذا السياق، يقول د. وقال المحلل المتخصص في الشأن التركي محمد الديهي، لموقع ايجي برس، إن المشهد السياسي في تركيا أصبح معقداً للغاية في ظل اهتمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإسطنبول وحكومته، إذ تمثل إسطنبول مركزاً سياسياً مهماً في البلاد. وفي هذا السياق، أثار اعتقال أكرم إمام أوغلو أزمة خطيرة، خاصة في ظل المقولة الشائعة “من يحكم إسطنبول يحكم تركيا”. ومن ثم فإن هذه القضية تحمل أبعاداً سياسية مهمة قد تؤثر على مستقبل المشهد التركي.

ورغم أن الرئيس التركي يحاول الصمت حيال هذه التطورات، إلا أن الضغوط الشعبية والسياسية قد تجبره على إعادة النظر في القضية، بحسب الديهي. وقال إن أردوغان قد يضطر إلى إطلاق سراح إمام أوغلو ووقف التحقيقات الجارية. وأشار إلى أن هناك الآن منافساً قوياً وشعبياً على الساحة السياسية التركية يمكنه تحدي أردوغان في الانتخابات المقبلة.

وفي هذا السياق، يقول د. قال كرم سعيد، المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي، لموقع ايجي برس، إن التوترات في الساحة السياسية التركية ستتصاعد خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد الحكم بحبس رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، على خلفية تحقيقات في قضايا فساد أو إرهاب. وأشار إلى أن احتمالات التوتر في الوقت الراهن هي الأكبر في ظل المعطيات المتوفرة.

صورة 2

وقال سعيد إن المعارضة التركية لا تزال تصر على الاحتجاجات كإحدى وسائلها الرئيسية لمعارضة قرارات الحكومة. ويشير إلى أن هذه التحركات تعتبر من وجهة نظر المعارضة من بين الآليات التي يمكن أن تساهم في تغيير الوضع.

وأوضح كرم سعيد أن اللافت في المظاهرات الحالية هو أن خطاب الاحتجاج لم يعد يقتصر على المطالبة بالإفراج عن إمام أوغلو، بل اتسع ليشمل قضايا أوسع مثل سيادة القانون، ومستقبل الديمقراطية، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وأوضح أنه أصبح من الواضح أن المشاركين في المظاهرات لا ينتمون إلى القاعدة التقليدية لحزب الشعب الجمهوري فحسب، بل انضموا إلى طيف واسع من الأتراك، بعضهم غير ناشط سياسيا لكنهم يرفضون الوضع الحالي بشكل جذري.

ويرى سعيد أن إصرار الحكومة على شن حملة قمع قاسية من جانب قوات الأمن ضد المتظاهرين، دون إظهار أي علامات على التراجع أو فتح قنوات الحوار، أدى إلى تفاقم التوترات. وهو ما يزيد من احتمالات تصعيد إضافي للوضع في تركيا خلال الفترة المقبلة.

3

أهمية إسطنبول في السياسة التركية

تعتبر إسطنبول المدينة التركية الأهم سياسياً واقتصادياً، حيث تضم أكبر عدد من السكان في البلاد، كما أنها المركز الأهم للاستثمارات الاقتصادية الكبرى. ولذلك فإن السيطرة على هذه المدينة تمنح السياسي نفوذاً كبيراً وتجعلها ساحة مهمة للصراعات السياسية، بحسب الديهي.

تتمتع إسطنبول بأهمية خاصة بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، لأنها كانت المكان الذي بدأ فيه مسيرته السياسية كرئيس لبلدية إسطنبول، وهي المدينة التي ساعدته فيما بعد في أن يصبح رئيسًا للوزراء ثم رئيسًا في نهاية المطاف. وفي هذا السياق، يرى الديهي أن الأحداث الحالية المتعلقة بأكرم إمام أوغلو قد تكرر السيناريو الذي واجهه أردوغان نفسه. تم اعتقاله وسجنه أثناء توليه منصب رئيس بلدية إسطنبول، لكنه عاد إلى الساحة السياسية بالقوة حتى أصبح رئيساً. ويشير إلى أن التحليل السياسي يشير إلى أن إمام أوغلو قد يسير على نفس الخطى، خاصة في ظل شعبيته المتزايدة والدعم الذي يحظى به من المعارضة التركية.

كيف يستفيد حزب الشعب الجمهوري من هذه الأزمة؟

وبعد اعتقال إمام أوغلو والمظاهرات الحاشدة التي اندلعت مع قوات الأمن التركية، تمكن حزب الشعب الجمهوري بوضوح من استغلال الوضع لصالحه، بحسب محمد الديهي. لقد خلقت نفوذًا فعالًا على الرئيس التركي من خلال تحريض الرأي العام وتعبئة الشوارع التركية ضد مذكرة التوقيف. كما استغل أردوغان هذا الوضع بإعلانه ترشح إمام أوغلو للانتخابات الرئاسية المقبلة، معززاً بذلك موقفه السياسي في مواجهة الحزب الحاكم.

وأضاف محمد الديهي أن حزب الشعب سيواصل استغلال هذه القضية للضغط على النظام التركي، إما عبر الترويج لفكرة “الظلم السياسي” بحق إمام أوغلو، أو عبر استخدام القضية كورقة مساومة في مفاوضات مستقبلية مع السلطات الحاكمة.

صورة 4

من جانبه يرى كرم سعيد أن حزب الشعب الجمهوري استفاد سياسيا من الأزمة الحالية بشكل أو بآخر. ويقول إن الحزب نجح في استغلال المشكلة لتعزيز موقفه السياسي، على الرغم من أن بعض التحقيقات الجارية تتعلق بمخالفات في العطاءات الحكومية.

وقال سعيد إن أحد أبرز إنجازات الحزب هو تحويل مؤتمره، الذي كان من المفترض أن يختار المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة – سواء كانت ستعقد كما هو مخطط لها في عام 2028 أو في وقت مبكر – إلى نوع من الاستفتاء على دعم إمام أوغلو. وتشير التقديرات إلى أن نحو 15 مليون تركي تعهدوا بدعمه في هذا السياق.

وأضاف سعيد أن الأزمة الحالية ساهمت في تعزيز التماسك الداخلي للحزب، حيث تم التغلب على العديد من الخلافات الداخلية التي كانت تختمر تحت السطح في الأشهر الأخيرة. ويرى بعض القادة التاريخيين لتركيا، مثل الرئيس السابق عبد الله غول، أن الأحداث المحيطة بإمام أوغلو تشبه “الظلم السياسي” الذي عانى منه غول وأردوغان في التسعينيات. ويشتبهون في أن هذا الظلم قد يكون بمثابة ميزة سياسية لحزب الشعب الجمهوري وإمام أوغلو في الانتخابات المستقبلية – سواء كانت محلية أو برلمانية أو رئاسية.

وسائل التهدئة للحكومة والمعارضة

ورغم التصعيد المستمر وامتلاء شوارع تركيا، وخاصة إسطنبول، بمؤيدي إمام أوغلو الذين يصورونه زعيماً، إلا أن الديهي يرى أن هناك فرصة للتهدئة مع إطلاق سراح إمام أوغلو ووقف الإجراءات ضده. لكن هذا الخيار قد يكون مكلفاً سياسياً بالنسبة للنظام التركي، إذ سيضعه في موقف محرج أمام الرأي العام، إذ سينظر إليه على أنه محاولة لإقصاء أحد منافسيه البارزين من خلال اتهامات لا أساس لها، بحسب تحليل الخبير التركي.

في المقابل، يرى محمد الديهي أن حزب الشعب الجمهوري لن يهدر هذه الفرصة بسهولة، بل سيعمل على تحقيق أكبر فائدة سياسية ممكنة من خلال الاستمرار في إثارة القضية إعلامياً وسياسياً، مما قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في الشارع التركي.

5

ومع ذلك، بحسب الديهي، فإن الرئيس التركي لم يفقد شعبيته بشكل كامل. لكن هذه الأزمة قد تضر بصورته بين جزء من الشعب التركي، خاصة وأن المعارضة تحاول تصوير القضية باعتبارها هجوما سياسيا مباشرا على منافس قوي في الانتخابات المقبلة. ويحاول أردوغان تجنب ذلك من خلال الادعاء بأن الأمر يتعلق بمسألة قانونية بحتة وأنه غير متورط فيها.

وتابع الديهي أنه إذا أراد أردوغان تحقيق مكاسب سياسية من هذه الأزمة، فيمكنه اللجوء إلى سيناريو آخر وهو صدور حكم قضائي بإدانة إمام أوغلو، يليه عفو من الرئيس التركي. وهذا من شأنه أن يجعله زعيماً متسامحاً يتغلب على الخلافات السياسية. وأشار إلى أن تنفيذ هذا السيناريو قد يؤدي إلى عدم قدرة إمام أوغلو على الترشح في الانتخابات المقبلة، وهو ما سيعطي أردوغان فرصة أكبر لتعزيز مكانته السياسية.

ورغم أن الاحتجاجات الأخيرة كانت شرسة وحضورها كثيفا، إلا أنها لم تصل بعد، بحسب كرم سعيد، إلى النقطة التي يمكن عندها الحديث عن تهديد جوهري لشعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقال إن أردوغان لا يزال يحظى بدعم شعبي واسع، خاصة بعد تحقيقه بعض النجاحات في السياسة الخارجية، مثل التطورات في الملف السوري، وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحسن العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وسط التوترات بين أوروبا وواشنطن.

وتابع سعيد: “علاوة على ذلك، فإن الأجهزة الأمنية التركية لا تزال مسيطرة، وهي قادرة على السيطرة على الوضع على الأرض”. وهذا يجعل من غير المرجح أن تصل المظاهرات إلى نقطة اللاعودة أو أن تصبح تهديداً خطيراً للنظام في الوقت الحالي. وأشار في الوقت نفسه إلى أن استمرار الاحتجاجات بمشاركة مجموعات مستقلة قد يؤدي إلى تعقيد الوضع وفتح المجال أمام سيناريوهات جديدة.

ويرى كرم سعيد أن الحل الأمثل للأزمة الحالية في تركيا هو مكافحة الاستقطاب السياسي المتزايد في البلاد من خلال حوار واسع مع قوى المعارضة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال مبادرة سياسية تسمح للأطراف المختلفة بمناقشة الأزمة على طاولة المفاوضات. ويعتقد أيضًا أن إطلاق سراح إمام أوغلو أثناء التحقيق الجاري يمكن أن يخفف بعض الغضب العام وينهي اضطهاد المعارضين السياسيين والمعارضين. وحذر من أن حملة الاعتقالات والملاحقات القضائية المستمرة قد تؤدي إلى مزيد من التوترات.


شارك