“انقلاب الشاباك والنيابة”.. هل تسقط إسرائيل في حرب أهلية؟

وفي الآونة الأخيرة، تزايدت التحذيرات من اندلاع حرب أهلية في إسرائيل. وتتزايد التوترات الداخلية، وهناك اتهامات متزايدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتأجيج الصراع لضمان بقائه السياسي. ورغم أن نتنياهو نفى مراراً وتكراراً هذا الاحتمال، فإن قراراته الأخيرة ــ وخاصة إطالة أمد حرب غزة وفتح جبهات صراع جديدة ــ فضلاً عن محاولاته المستمرة لتعزيز سلطته، تسببت في إثارة قلق متزايد في إسرائيل.
وفي ظل هذه التوترات، أصدر رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك تحذيراً صارخاً، وفقاً لصحيفة جيروزالم بوست، من أن إسرائيل تتجه نحو انهيار ديمقراطيتها واندلاع حرب أهلية. وأعاد التحذير إلى الأذهان الأزمات الداخلية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، بدءا من المواجهة بين نتنياهو والقضاء قبل ثلاث سنوات، وصولا إلى الاحتجاجات الحالية ضد سياساته.
دكتور. ويرى خالد سعيد، الكاتب والباحث في الشؤون الإسرائيلية، أن تحذير باراك من احتمال اندلاع حرب أهلية في إسرائيل يستند إلى أدلة تدعم وجهة نظره. هذا التحذير ليس الأول من نوعه. فقد شهدت إسرائيل أزمات داخلية مماثلة في الماضي هددت استقرارها، مثل اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين عام ١٩٩٥ وما تلاه من تصاعد للانقسامات السياسية. حتى بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة في عام 2005، كانت هناك خلافات حادة بين الدوائر السياسية والعسكرية. وحتى في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان 2023، قبل حرب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نشأت خلافات حادة في إسرائيل بشأن الإصلاح القضائي.
وأضاف الباحث في حواره مع ايجي برس أن الصورة حاليا أكثر تعقيدا مع تصاعد الصراعات داخل المجتمع الإسرائيلي بين مختلف الشرائح، خاصة مع استمرار نتنياهو في إقالة شخصيات أمنية وسياسية بارزة من أجل ترسيخ سلطته وترسيخ ما يسمى بـ”الدولة العميقة” في إسرائيل. وقد اتضح ذلك من خلال إقالة وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، والآن هناك جدل كبير حول إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار، وهي الخطوة التي تسببت في استياء كبير حتى داخل أجهزة الأمن.
تصاعدت الأزمة داخل أجهزة الأمن الإسرائيلية بعد الكشف عن تحقيق سري أجراه جهاز الأمن العام (الشاباك) حول تسلل مجموعات متطرفة إلى صفوف الشرطة. وذكرت القناة 12 أن شجارا حادا وقع بين وزير الأمن إيتمار بن جفير ورئيس جهاز الأمن العام رونين بار، والذي كاد أن يتحول إلى مواجهة جسدية بعد اتهامات متبادلة بإساءة استخدام السلطة بشكل غير قانوني.
وكشفت التحقيقات أن جهاز الأمن العام (الشاباك) يراقب منذ أشهر محاولات مجموعات متطرفة مرتبطة ببن جفير التسلل إلى أجهزة إنفاذ القانون. واتهم بن جفير بعد ذلك رئيس جهاز المخابرات بمحاولة الإطاحة بالحكومة ودعا إلى إقالته واتخاذ إجراءات قانونية ضده.
رغم المظاهرات المطالبة بإلغاء إقالة رئيس الشاباك، إلا أن د. خالد سعيد: “لا أعتقد أنها ستؤثر بشكل كبير على قرارات نتنياهو. فهو معتاد على مواجهة احتجاجات جماهيرية كتلك التي اندلعت عام ٢٠٢٣ ضد إصلاح القضاء، أو المطالبات الحالية بإنهاء حرب غزة. نتنياهو يواصل نهجه، سواء بمواصلة الحرب أو بتنفيذ أجندته الداخلية، مثل احتمال إقالة المدعية العامة غالي بيهاريف-ميارا”.
وفي ضوء الخلافات الداخلية في إسرائيل، سحبت الحكومة بالإجماع ثقتها بالمستشار القضائي للحكومة. وكان غالي بهاراف ميارا قد أرسل في وقت سابق رسالة تحذيرية إلى الوزراء. واتهمت فيها الحكومة بتقويض استقلال القضاء وتحويل النائب العام إلى أداة صامتة في مواجهة انتهاكات القانون، بل إلى داعم لهذه الانتهاكات.
وأكدت النائبة العامة أمام اجتماع الحكومة الذي نظر في إقالتها أن الإجراء المقترح لا يمثل إجراء قانونيا ممنهجا، بل “يهدف إلى تبرير خطوة خطيرة تهدف إلى فرض الولاء السياسي على حساب سيادة القانون”. وأوضحت أن “الحكومة من خلال هذا النهج تحاول فرض تفسير سياسي للقانون وإعادة تحديد حدوده لخدمة مصالحها الخاصة”.
واتهمت الحكومة أيضًا بأنها تريد “الوقوف فوق القانون والتصرف دون رقابة أو إشراف، حتى في الأوقات الأكثر حساسية”. صرحت قائلةً: “لا تسعى الحكومة إلى تعزيز الثقة، بل إلى فرض الولاء على القيادة السياسية. هذا ليس تمكينًا للحكم، بل هو سلطة مطلقة كجزء من عملية أوسع تهدف إلى إضعاف القضاء وردع كل من يجرؤ على ممارسة دوره المهني”.
وتأتي هذه الخطوة في إطار ما وصفته المعارضة بمحاولات نتنياهو لتقويض الديمقراطية. وقال بيني غانتس، زعيم حزب أزرق أبيض، إن إقالة المدعي العام تهدف في المقام الأول إلى تعزيز سيطرة نتنياهو على الحكومة، حتى على حساب استقرار إسرائيل.
ودعا زعيم المعارضة يائير لابيد أيضا إلى إضراب عام إذا رفضت الحكومة الامتثال لقرار المحكمة العليا الذي أوقف إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك). وفي مظاهرة حاشدة في تل أبيب، أعلن لبيد أن الحكومة ستصبح “خارجة عن القانون” إذا لم تحترم أحكام المحكمة، ودعا إلى تعليق عمل جميع مؤسسات الدولة باستثناء أجهزة الأمن.
ويتعرض نتنياهو لضغوط متزايدة داخل الجيش، الذي يعاني من نقص حاد في جنود الاحتياط. ويتزامن هذا مع استمرار التحقيقات في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وتزايد التساؤلات حول من يتحمل المسؤولية عن الفشل الأمني ــ سواء الجيش، أو أجهزة المخابرات، أو المستوى السياسي.
دكتور. ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الإسرائيلية خالد سعيد أن الوضع قد يتصاعد بشكل خطير، خاصة في ظل الانقسامات العميقة داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. ويشير إلى أن التحذيرات التي أطلقها مسؤولون سابقون في جهاز الأمن العام (الشاباك)، مثل يعقوب آسا، من محاولة اغتيال محتملة لنتنياهو من داخل جهاز الاستخبارات نفسه، تعكس مدى التوترات الداخلية.
وأشار أيضاً إلى أن ولاء موظفي الشاباك للمؤسسة وليس للحكومة قد يكون عاملاً آخر في تفاقم الأزمة، مما يجعل الحديث عن اندلاع حرب أهلية في إسرائيل أمراً لا مفر منه.